تباشر المجتمع السعودي بكافة أطيافه بإعلان الرؤية الوطنية 2030 فهي تمثل الحلم الوطني الذي طال انتظاره، أهداف كثيرة حملتها تلك الرؤية المباركة ستحقق النماء والرفاة لمجتمع يستحق أن ينعم بجودة الحياة، وبالحديث عن جودة وأمن الحياة فقد اعتمدت الرؤية في أغلب خططها وأهدافها على المورد البشري الوطني لتحقيق تلك الأهداف، وذلك يحتم علينا بالضرورة المحافظة على حياة ذلك المكون البشري لضمان تحقق الرؤية وسيرها وفق ما خطط لها، ولذلك كان من المستغرب أن يغيب جهاز المرور عن أهداف الرؤية 2030 وعن برنامج التحول الوطني 2030 ! فبرنامج التحول الوطني 2030 بمؤشراته وأهدافه الاستراتيجية يعكس جدية الحكومة بتغيير الأداء الحكومي نحو الانتاجية التي تنعكس على حياة المواطن اليومية ولا يختلف أحد على دور المرور في رفع السعادة المجتمعية.
حوادث المرور لدينا كارثية فأرقام الوفيات تتزايد سنوياً وكأنها تتصاعد تلقائياً مع عدد المواليد، وذلك مؤشر خطير وغير صحي لمجتمع متحضر، في ظل الوعي والثورة المعلوماتية لا تكون برامج التوعية الوقائية والمدرسة والمسجد... هي السبب الرئيس بقدر ما يكون ضعف النظام المروري في نفوس المخالفين، وتلك حقيقة مشاهدة في الشوارع، وفي مناظر يومية وليس المواطن وحده من وصله ذلك الشعور بهذا الضعف القانوني المروري بل حتى المقيم!.
مرتكزات الرؤية: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح والنظام المروري في حالة ضعفه يصبح أكبر مهدد لتلك المرتكزات فتناقص العنصر البشري بسبب وفيات الحوادث المرورية وتزايد عدد المصابين والمعوقين يفقد برامج التنمية أحد محركاتها وأعمدتها ويزيد من الفاتورة الاقتصادية الصحية التي تذهب لعلاج المصابين بتلك الحوادث اليومية. وبكل تأكيد تحتاج الرؤية لمواطن فاعل يعمل بكفاءة وفاعلية لتحقيق تلك الأهداف العظيمة، ولكن المواطن يحتاج كذلك لبيئة مرورية آمنة تساعده على الحضور لعمله وهو في أحسن حالاته النفسية والانفعالية ليكون إيجابياً وينتج أكثر، وكيف يتحقق ذلك وهو يعيش صراعاً وعراكاً في الطريق حتى يصل لعمله بسبب عدم الضبط المروري للشارع وكثرة المتمردين على الأنظمة والذين يسلبون حقوق المنتظمين في الطريق وتعريض حياتهم أو سياراتهم للخطر بسبب الرعونة والسرعة وتخطي الغير والتجاوز وقطع الاشارات ومخالفات كثيرة باتت مشهداً يومياً معتاداً!.
في حقيقة الأمر إحصائيات الحوادث المرورية لدينا مفزعة وتقارن بإحصائيات الحروب والكوارث، وقبل سنوات قليلة طرح مشروع ساهر وضجت الصحف فرحاً بهذا المشروع الجديد، وبدأت تصريحات المسؤولين أكثر تفاؤلاً في خفض معدلات الحوادث ولكن وبكل أسف الأرقام لا تكذب أبداً والمعدلات تتزايد سنوياً مما سبق ضيقاً وحنقاً لأفراد المجتمع من ساهر وعلق أحدهم في وسائل التواصل: «لم أعد استوعب: قانون مروري ضعيف يترجمه سلوكيات مستهترة لبعض قائدي السيارات في مقابل نظام جباية قوي يرصد مخالفات السرعة بأسلوب التخفي!» لذا نحتاج أن نراجع وبكل شفافية مدى فاعلية مشروع ساهر في تحقيق الأهداف المطلوب منه.
في الواقع الثقافة المرورية وتأثيرها في سلوكيات الشارع تحتاج إلى صرامة في القوانين المرورية والتي لا تكون بالتخفي والترصد للمخالف تحت الشجر وفوق الجسور، بل تكون بالظهور والإشهار لتلك القوانين الصارمة وبالتواجد والانتشار الميداني، وقد سبق أن طُرح استفتاء في وسائل التواصل لماذا يكون هناك انتظام مروري للمواطنين خارج المملكة، ويضعف ذلك الانتظام في داخلها والنتيجة كانت لصالح الفرق بين صرامة القوانين المرورية هنا وهناك.
جهاز المرور مُطالب بأن يكون له خطة استراتيجية نحو 2030 أسوة ببقية الأجهزة الخدمية الحكومية الأخرى ويكون له مؤشرات تقيس أداءه بشكل ربع سنوي أو على الأقل يتم خصخصة الجهاز بالكامل أسوة ببعض الدول التي نجحت في تلك التجربة مما انعكس إيجاباً على الشارع والحياة العامة للمجتمع، وفي ظل ارتفاع الوعي المجتمعي لن يكون مرضياً أن تعلن عن نتائج وتحقيق نجاحات سريعة والاحتفاء بها في الإعلام جراء استخدام أسلوب نقاط التفتيش المؤقت أو الحملات المفاجئة فتلك الأساليب تعبّر عن سوء الإدارة لتحقيق النجاح السريع ولا تحقق الردع العام وضبط الشارع فمن غير الطبيعي أن يكون نطاق عملك (دائماً ومستمراً) طوال العام وتختزل جهدك في أسبوعين وتنفذ بها حملات ميدانية ثم تحتفي في الصحف بإنجازك وتتوارى عن الأنظار!! والأجدى والأنفع تطوير الأنظمة المرورية والاعتماد على التقنية الحديثة في كافة المخالفات بكافة الطرق والانتشار الميداني الدائم والمستمر وتشديد العقوبات بسحب الرخصة والسيارة والسجن المؤقت لمدد معينة والإجبار بخدمة المجتمع وأخذ دورات متقدمة في الثقافة المرورية واحترام الطريق وحقوق الآخرين في الشارع وغيرها من العقوبات البديلة، وذلك بلا شك سيساهم في خلق مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح وهي ما ترتكز عليه الرؤية الوطنية 2030.
- د. حسان الحقباني