فضل بن سعد البوعينين
قد تكون مبادرات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بداية لإنجاز المشروعات المعلّقة وفق رؤية شاملة؛ وموازنات مالية معتمدة؛ تلتزم الحكومة بتنفيذها في فترة زمنية محددة. اعتماد 13 مبادرة بتكلفة تقديرية تجاوزت 26 مليار ريال ستسهم دون شك في تطوير الصناعة السياحية والارتقاء بنوعية المشروعات المنفذة؛ إضافة إلى معالجة بعض المعوقات المعرقلة لحركة الهيئة، وجهودها الرامية لتنفيذ رؤيتها من جهة؛ وتطويرها المواقع والوجهات السياحية المستهدفة من جهة أخرى.
التركيز على تطوير الوجهات السياحية وفق منظومة متكاملة وإنشاء المدن والقرى السياحية المتكاملة من أهم أدوات النجاح؛ إن لم تكن قاعدتها الصلبة التي يمكن أن تبنى عليها جميع المشروعات السياحية الأخرى؛ حيث تعتبر تلك القرى والمدن؛ الحاضنة للمشروعات النوعية، والمحفزة لتدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، والداعم الأول لصناعة الوجهات السياحية المتميزة.
مشروع «مدينة عكاظ» إحدى أهم مبادرات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني؛ فهو يجمع بين الثقافة بمعناها الشامل، والسياحة في آن؛ إضافة إلى العمق التراثي الذي سيجعل من المدينة حين إنجازها جوهرة في عقد المشروعات السياحية. ضخ ما يقرب من 555 مليون ريال لتجهيز البنى التحتية؛ إضافة إلى 220 مليون ريال لتنفيذ مشروعات الهيئة سيسهم في استكمال أساسيات الجذب الاستثماري؛ ما يعزّز تدفق استثمارات القطاع الخاص المقدّرة بـ 1290 مليون ريال؛ والتي يمكن أن تستكمل مرافق السياحة الأساسية ومنها الفنادق والأسواق ومركز الأعمال والمؤتمرات والمسارح وقاعات السينما والمعارض وقرى الترفيه.
قد تكون «مدينة عكاظ» الخيار الأمثل لتطوير مدينة الطائف سياحياً؛ وتحويلها إلى وجهة قادرة على استقطاب السياح على مدار العام. رغم المواقع الأثرية؛ والأجواء الجيدة والتضاريس الجميلة فيها؛ إلا أن تدني مستوى الخدمات؛ والبنى التحتية؛ أضعفت من جاذبيتها؛ وأفقدتها القدرة على استثمار المحفزات السياحية المتاحة لها؛ فالسائح لن يبحث عن الطقس الجميل؛ والتضاريس الخلاّبة؛ أو المواقع الأثرية بمعزل عن البيئة الحاضنة. مشروع المدينة السياحية قطعاً لن يغني عن بعض المشروعات المكملة له؛ وأعني بمشروعات تطوير المواقع الأثرية المتناثرة في مدينة الطائف؛ التي تحيط بها التشوهات البصرية والبيئية من كل جانب.
التعامل مع مشروع «مدينة عكاظ» يفترض أن يكون وفق نظام مستقل عن الوزارات الحكومية؛ وبما يضمن سهولة اتخاذ القرار والتنفيذ والإنجاز السريع. قد يتعطّل المشروع في حال ارتباطه بوزارات متفرّقة؛ أو أراض متداخلة مع أملاك لجهات حكومية أو أفراد؛ كما حدث مع مشروع العقير الذي تأخر البدء في تنفيذه بسبب المعوقات الطارئة.
الأمير خالد الفيصل؛ أمير منطقة مكة المكرمة؛ أشار في تصريحات صحفية إلى أنه رفع «مشروع لخادم الحرمين الشريفين لوضع إطار تنظيمي لسوق عكاظ، لتكون له شخصية اعتبارية، كمؤسسة أو هيئة»؛ أجزم أن الأطر التنظيمية الكفؤة هي الضامن بعد الله لاستدامة العمل وتوفر التمويل والتدفقات التشغيلية؛ والحماية القانونية القادرة على وقف التدخلات المستقبلية أو الاجتهادات التي تؤثِّر سلباً على المشروع.
ومع إيماني التام بضرورة وجود الإطار التنظيمي لسوق عكاظ؛ إلا أن إنشاء هيئة عليا مستقلة يُعهد إليها شؤون تطوير وتنفيذ وتشغيل «مدينة عكاظ» السياحية؛ بما فيها المناشط الثقافية وسوق عكاظ ومهرجانه السنوي هو الأجدى والأضمن بإذن الله.
يُعزى نجاح مشروع مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين إلى تنظيم «الهيئة الملكية» التي عُهد إليها إنشاء وتشغيل المدينتين باستقلالية تامة عن وزارات الدولة المختلفة؛ بعد توثيق ملكية المساحة المستهدفة في «صك» واحد؛ واعتماد موازنة خاصة؛ ما أسهم في وضع مخطط إستراتيجي يتعامل مع مراحل التخطيط، التنفيذ، والتطوير المنضبط والمؤطر بخطط إستراتيجية طويلة المدى.
برغم فارق التشبيه؛ واختلاف التخصص؛ إلا أن «مدينة عكاظ» السياحية يمكن التعامل معها وفق تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ فتصبح الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني المسؤولة عن تخطيط المدينة وتطويرها وإرساء مشروعاتها باستقلالية تامة بعد أن يستخرج للمنطقة المستهدفة صكاً شرعياً لتسهيل عملية التخطيط الإستراتيجي وضمان وقف التدخلات وإزالة المعوقات التي قد تطرأ مستقبلاً. زيادة مساحة المدينة المقترحة أمر غاية في الأهمية؛ وإن وفرت المساحة الحالية متطلبات المشروعات المقترحة؛ وذلك لمواجهة احتياجات التوسع المستقبلية المتوافقة مع النمو السكاني والسياحي. الشراكة بين إمارة منطقة مكة وهيئة السياحة يمكن أن تضع التصور الشامل للمدينة والنظام الأمثل الذي يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية الطموحة. قد تتحول «مدينة عكاظ»؛ في حال تداخلت الصلاحيات وتوزعت بين وزارات الدولة المسؤولة عن تنفيذ البنى التحتية؛ إلى نسخة مكررة من المشروعات المتعثرة؛ أو المتأخرة؛ وهو ما لا نود حدوثه لمشروعاتنا الإستراتيجية التي نعول عليها تغيير وجه السياحة؛ والانتقال بها نحو عالم الاحتراف التنموي؛ والإدارة الكفؤة؛ والتخصص المنهجي.