د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* تربكنا الاستفهاماتُ التقليدية أكثر مما تفعل الاستفهامات الوجودية؛ فقد ينوب المعتقد في الأخيرة ويمنحنا صمت الرضا أو اقتناع التسليم أو إلغاء البدائل، بينما تبقى الأولى معلقةً في تموجاتٍ النفس المملوءة تطلعًا وترددًا وتخوفات؛ فحين كنا على مدارج التعليم العام استفزَّنا سؤال «الأمنيات» التي نود تحقيقها ولم يخلُ منها درسٌ في التعبير آنذاك، وكنا نخلط ونخبط، ولم تتجاوز أمنياتنا أن نكمل تعليمنا ونتخرج «مدرسين» أو «أطباء»، وما يزال «ما الذي تتمناه» سيدَ الأسئلة حتى اليوم؛ نرهق به أذهان الكبار ونخترق براءة الصغار.
* لا أحد يجيب عمّا يوحي به داخلُه فتتوالى المفردات المستنسخة بين الأجيال دون أن يكون لها معنى وإن بدت ذات مبنى، وقد كان المتنبي أصدق الحالمين حين أراد من الزمن إيصاله إلى حيث لم يبلغ الزمنُ نفسُه؛ فما دام السؤال حالمًا فليكن الحلم ضخمًا كما طموح أبي الطيب ولو استحال تحققه.
** قد يبدو هذا مبررًا أمام تواضع أمنياتٍ ظنها ذووها غير ممكنةٍ أو ربما خشُوا تصادمَها مع عرفٍ أو عادةٍ أو سلطةٍ مطلقةٍ، وليس هذا بمشكلة؛ فلبعضنا سقفٌ ولغيرهم سماوات، ووصية المتنبي ألا نقف دون النجوم أملًا وعملًا، لكن المشكلة حين تتضعُ (وليس فقط تتواضع) أماني الأمة فتتنازلُ عن فضاءاتٍ كانت لها وترضى بالانكماش فتصبح الأنفاقُ آفاقَها ويتقزّم إِقدامُها عند أَقدامها؛ فمن كان يظن أن الغد العربي سيرتهن لإرادة مسلوب الإرادة، وأن الحلم العربي موؤودٌ بحكم عصاباتٍ لا تستترُ ولا تستغفر؟
* ليس مهمًا طول الأماني أو عرضها بمقدار ما تعنينا دلالاتها؛ فمن تمنى أن يكون طبيبًا ثم لم يعمل من أجل تحقيق أمنيته فسيسائل نفسَه عن أسباب إخفاقه، وربما أجرى تحولًا مهمًا في وجهته جعله في موقعٍ أجملَ، وكذا الأمة التي درسنا على يد ساستها «اللاءات الثلاث» توقعنا أن تخفق في لاء واحدة لنعذرهم لكنهم نسفوها كلَّها وأضافوا إليها مئة «نَعم»، وكذا يُغتال الحلم وتصبح الأمنية منيّة.
* ليس أقسى من أن تجد نفسك مجردًا من الحلم؛ فقد عشنا زمنًا نحلم بتحرير فلسطين، ثم انتكسنا حتى لم يبق من فلسطين إلا ذاكرة جيلٍ سينقلها لأجيالٍ تعيد الحلم، وقالوا لنا إننا «أمة واحدة ذات رسالة خالدة» وها نحن متشظُّون بين ألف فرقة وألف رسالة وألف حرب، وأنشدونا فأنشدنا: أخي جاوز الظالمون المدى» و»الأرض بتتكلم عربي» فوعينا الظلم من ذوي القربي، والرطانة الانتمائية تنحو بنا صوب كسرى وقيصر.
** قست بالأمة الحال حتى جاء من أبنائها من يعد العدوَّ صديقًا؛ فاللهم لطفك بنا وبراءتنا من كل يدٍ تصافحُ مغتصبي الأرض والعرض.
* الحلمُ لا يُصادَر.