أحمد محمد الطويان
مقومات القوة في عالم اليوم هي: «الاقتصاد، السياسة الخارجية، القدرات العسكرية، الإعلام، التعليم، الثقافة والفنون».
بعض الدول لا تملك سوى مقوم واحد من مقومات القوة ومع ذلك تملأ الدنيا وتشغل الناس، وقد يساندها في ذلك قوة إعلامية أو تكون هي القوة الوحيدة التي تملكها. يبقى الإعلام هو الأساس، إما كقوة مستقلة، أو قوة مساندة، هو أيضاً لسان الدول، وقبضتها الضاربة في مواجهة التهديدات والخطوب.
نحن في السعودية نملك قوة الاقتصاد ولدينا الشغف التنموي وننظر للغد بطموح، وسياستنا الخارجية تعصرنت تقاليدها العريقة، وتحركت برشاقة آسرة وحققت منجزات مهمة في مرحلة أطلق عليها ولي ولي العهد «الإصلاح العاجل» وهو بتصوري إصلاح في كل المناحي تمهيداً لتغييرات أكثر عمقاً في مختلف الشؤون كشفت عن معظمها رؤية السعودية 2030 ، ومن ينظر إلى وزارة الخارجية يلحظ أنها بدأت تخطو الخطوات الأولية في التحول الإستراتيجي الذي وضع لها، لدينا أيضاً قوة عسكرية دفاعية أنجزت الكثير وبتسليح نوعي، وتضحيات الجنود تمثّل قوة بشرية مؤمنة بعقيدة عسكرية راقية، أما قوتنا الإعلامية فمقسمة إلى قسمين رسمي تمثّله وزارة الإعلام وهيئاتها، وخاص تمثّله المؤسسات الإعلامية المملوكة لسعوديين، وهذه القوة في جناحها الرسمي كانت في سبات، بل في غيبوبة قبل عام 2015، وانشغلت بالعمل البيروقراطي على حساب الرسالة الإعلامية، وهي ربما القطاع الوحيد الذي لا يمكن تحريره بسرعة من وضعه الراهن المزري، جسد هرم مصاب بالأمراض، والعلاج الذي يرى العارفون طريقته وأدواته سيحقق نتائج إيجابية ولكن بعد مدة.. وإن كنا نلحظ تحركات مهمة توحي لنا بأن هناك وزارة إعلام جديدة بروحها وشبابها وحلمها.. أما الإعلام الخاص والذي يمثّل القوة الإعلامية الحقيقية للمملكة فإنه يحقق نجاحات منذ السبعينات، ويجب أن نحافظ على استقلاليته ومعاييره العالمية العالية، وأن نحقق تنافسية بلا إضرار بين الجناحين وأن نصنع مؤسسات إعلامية رسمية قوية وقادرة، وهذا ما تطمح إليه وزارة الإعلام ووزيرها.
التعليم قوة مهمة، وفي عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- أخذ التعليم نصيباً وافراً من العناية، ولكن وزارة التعليم لا تزال أقل من الطموح، وإن كانت الأفكار على الورق جيدة، ولكننا ما زلنا متأخرين في صناعة بيئة تعليمية راقية وجاذبة للباحثين والطلاب، حتى في العلوم الدينية التي من المفترض أن نكون قبلة طلابها.
الثقافة والفنون والآداب، لا يمكن أن نخرج قوتنا الثقافية من القمقم وبيننا من يزدريها، ويدمرها، وقبل كل شيء يحرّمها.. وإنشاء هيئة مستقلة للثقافة أمر في غاية الأهمية، وكذلك المجمع الملكي للفنون، نحن بحاجة إلى دعم مثقفينا وفتح الآفاق لهم للإبداع، مع التمسك بهويتنا الإسلامية وعمقها وعالميتها، وهي بلا شك قوتنا الأساسية أمام العالم.. الثقافة ليست علماً يدرّس، بل سلوك وفكر يغرس ويمارس، ولا يمكن أن تنمو الثقافة وتزدهر بدون دعم حكومي كبير ومساندة من صانع القرار السياسي، وهذا متحقق كما نسمع ونرى.
قوتنا السعودية ليست نفط، بل عنصر بشري يتألق في تطويع المستحيلات، علينا أن نركّز على مواطن قوتنا وننميها، وأن ندعم رؤيتنا السعودية بفهم أدوارنا والحفاظ على أمن مجتمعنا، وتطوير مستوى النقاشات فيما بيننا، ليكون الوطن هو مقصدنا، واستقراره هو هدفنا، ونموه هو مطلبنا.