د. فوزية البكر
تشير الإحصاءات المعلنة أن هناك حوالي 900 حالة هروب للفتيات في المملكة وهي وإن كانت نسبة بسيطة إحصائياً إلا أنها تظل نسبة مقلقة وخصوصاً أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تكف عن زخنا بكل الأخبار السلبية من هروب وغيره بما يعني أن هذا الأمر وإن لم يصل إلى مستوى الظاهرة إلا أنه بلا شك يستحق التأمل من منظورات ثقافية وسوسيلوجية متعددة.
وفي مقالة الأسبوع الماضي تعرضنا إلى دور الأسرة وما عليها أن تفعل للتعامل مع فتيات اليوم وهنا سنتناول العوامل المجتمعية التي قد تؤدي إلى هذه الظاهرة إذ لو كان الواقع الاجتماعي سلسل بدرجة كافية لما اضطر البعض لمحاولة الهرب منه.
وبلا شك تتسيد قضية انعدام الحركة بسبب المعوقات المحيطة بموضوع قدرة المرأة على الحركة لقضاء احتياجاتها اليومية وعلى رأسها قيادة السيارة الصورة لكنها تظل حقيقية يومية نواجهها كنساء في كل يوم: حقيقية أنك لا تستطيع أن تستقل باصاً أو قطارا عاما لتصل لعملك أو للمستشفى وغيره كما أننا بالطبع لا نستطيع تحريك سيارة حقيقة مضحكة ومبكية وأتمنى على إخوتي الرجال أن يحاولوا (أكرر: حاولوا) أن تضعوا أنفسكم في مكان أي امرأة بدون سائق وستفهمون عمق المعضلة التي يحاول البعض تسطيحها باعتبارها أصبحت أحد ألعاب القوة التي تمرجحها القوى التي نتعامل معها على الأرض دون اتخاذ القرار التاريخي.
لنعترف أيضا أن المرأة السعودية تعامل من خلال القوانين على أرض الواقع كقاصرة فهي لا تستطيع أن تلتحق بدراسة أو عمل أو تستخرج جواز سفر أو تسافر إلا بإذن ولي. ورغم أن الحكومة قد اجتهدت في محاولة لاحتواء كل هذا في النظر إلى المرأة بتقييد صلاحية ولي الأمر إلى أضيق الحدود إلا أن المعاش على الأرض والذي تلمسه كل النساء يجعل الكرة دائماً في مرمى الرجل دون المرأة.
المرأة تطلق في بلادنا دون أن تدري ويرجعها الزوج إذا كانت طلقة أولى حتى ربما دون أن تدري وهي إن طلقت بالثلاث فقدت كل شيء فلا منزل ولا نفقة ولا أولاد ولا ثمن لسنوات أفنتها في رعاية أسرتها. القانون هكذا بكل معنى الكلمة في شأن المطلقة السعودية في حين تحفظ معظم قوانين العالم المتحضر لأية امرأة تزوجت رجلاً لخمس سنوات أو أكثر بنصف المنزل ونفقة جارية ورعاية اجتماعية وصحية فما الذي تقدمه مؤسساتنا القضائية والتشريعية والتنفيذية للنساء حتى يشعرن بالأمان داخل بلادهن؟
تمثيل المرأة ضعيف جداً في كافة المواقع الحكومية والأهلية وتعد ضئيلة حتى بالنسبة لدول الخليج ولذا فتأثير المرأة في صنع القرارات المختلفة وعلى كل المستويات محدود جداً رغم قدرة المرأة السعودية وتمكنها وقدرتها وتعليمها ومثابرتها التي أثبتتها في كل المواقع العالمية التي ظهرت فيها لكنها في داخل البلاد للأسف لا زالت رهن النظرة الدونية بأنها (شخص غير عاقل وغير كامل وهو يحتاج إلى الرعاية والتوجيه من الولي الذكر)!
المرأة معزولة عن الفضاء العام بحكم العزلة الاجتماعية والفعلية التي فرضتها سياسات عدم الاختلاط المصطنعة إذ إنه وحتى في عهد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه رأينا زوجاته وبنات الصحابة ونساءهن عاملات جنباً إلى جنب مع الرجال باعتبار ذلك من سنن الحياة واليوم نرى النساء معزولات بدرجة أعاقت فعلا خبرتهن بالحياة وكيف يتصرفن في أي موقف كما تدنت قدرتهن على معرفة الفرص الوظيفية والمالية التي يمر بها الرجال في حياتهن العملية مما أدى إلى عدم قدرتهن على التصرف في أموالهن بطريقة استثمارية جيدة رغم أن الإسلام منح ذمة مالية مستقلة لكليهما هذا عدا المعوقات الإدارية لاستخراج أي ورقة أو البدء في أي مشروع. الرجال وباعتبار أنهم صانعوا القرار ولأنهم يلتقون معاً في المسجد ومجلس بعد المغرب وفي الاستراحة وفي مكاتب صانعي القرار كل ذلك يمهد لمعرفة وصداقات ومشاريع ترصف الطريق للكثير من الصفقات كما تمهد للتوصيات ليعرف فلان فلاناً ويوصي هذا بآخر إلخ من فرص الحياة التي تحرم المرأة منها بحكم عزلتها القصرية.
أعيدوا لنا أسرنا الطبيعية وحياتنا العادية كما خلقها الله دون عزلة قصرية لا يقررها الإسلام حتى يصبح لكل إنسان بغض النظر عن جنسه حق التعامل قانونياً وثقافياً واجتماعياً بشكل متواز وسوف ترون أن لا امرأة تفكر في القفز على الأسوار. نحن جميعا أبناء هذا الوطن ونتساوى في حلوه ومره وقد حان الوقت لخروج المرأة من البيضة بعد تشققها وعلينا أن ندعم خطواتها قانونياً بدل أن تضطر إلى الهرب الذي سيكسر جناحها وجناح المجتمع في آن.