د. عبدالواحد الحميد
تمشيت في جادة عكاظ في اليوم الثاني لافتتاح فعاليات سوق عكاظ العاشر فرأيت الوجوه الطافحة بالسعادة؛ وجوه الأطفال والرجال والنساء من السعوديين والوافدين الذين تقاطروا على المكان من مدينة الطائف وقراها ومن المدن القريبة والبعيدة. كانت الجادة تزدحم بالآلاف من الناس السعداء في ذلك المساء الجميل من أماسي مدينة الطائف التي طالما جذبت المصطافين في الزمان البعيد قبل أن تهب علينا رياح طفرة السبعينيات الميلادية حاملة معها أنماطاً جديدة من العيش والسفر والاصطياف في دنيا الله الواسعة وخاصة بعد حقبة الثمانينات حين اختفت تماماً المناشط الترفيهية من البلد بما فيها تلك المناشط التلقائية البسيطة التي تمتع بها الآباء والأجداد على مدى العقود والقرون الماضية ثم أصبحت على حين غرة من الممنوعات التي لا تجوز ممارستها وذلك بسلطة المجتمع قبل سلطة الدولة! في جادة عكاظ يرى الإنسان عائلات بأكملها تتجول مستمتعة بمتابعة الفعاليات المبهجة والعروض الفلكلورية والمسرحية والرياضية المتنوعة التي تُقام على امتداد الجادة وكذلك المنتجات الحِرَفية التقليدية، ويرى الأطفال المبتهجين يستمتعون باللعب في المساحات المخصصة لهم ويتقافزون ويجرون ويتبادلون الحديث مع الشخصيات المسرحية التي تتقمص هيئات الشعراء القدامى بملابس أزمنتهم القديمة وهم يتجولون بين الناس كأنما هبطوا من كواكب بعيدة!
لقد استمتعت بما رأيت في الجادة وبما شاهدته في حفل الافتتاح، لكن ذلك لم يكن كل شيء. ففي أماكن أخرى، وضمن برامج السوق، كانت تُقام أيضاً فعاليات ومناشط ممتعة ومهمة، ومنها ما كان يقدّم في الفندق، حيث أقيم في اليوم الثاني ملتقى الريادة المعرفية الذي شارك فيه بعض الخبراء والوزراء وصنَّاع القرار وتحدثوا عن الإستراتيجيات والخدمات والشراكات في هذا المجال، كما التقى بعد ظهر ذلك اليوم سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مع ضيوف المهرجان وتبادل معهم الحديث واستمع إلى مقترحاتهم. وفي المساء التقى الأمير خالد الفيصل ووزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي مع الشباب ودارت أحاديث مهمة. ولا شك بأن مثل هذه المناسبات التي يلتقي فيها الشباب بصنّاع القرار تمثّل فرصة ثمينة يتمكنون من خلالها من إيصال أصواتهم وبث همومهم واهتماماتهم. فعاليات كثيرة أخرى رائعة حفل بها السوق مثل اللقاء الذي استعرض فيه بعض المبدعين تجاربهم في الكتابة والإبداع وكذلك الندوات والأمسيات الشعرية، وغيرها. كل ذلك أتاحه سوق عكاظ العاشر للضيوف والزوار من داخل المملكة وخارجها. جهود كبيرة بذلتها جهات عديدة كي يخرج السوق بهذه الصورة البهيجة وفي مقدمتها إمارة مكة المكرمة والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والأخوة والأخوات الذين خططوا وأشرفوا ونفذوا تفاصيل الفعاليات المختلفة للسوق، وكذلك الجهات الأمنية والوزارات والهيئات المختلفة والقطاع الأهلي، فالشكر الجزيل لهم جميعاً. ولا شك بأن سوق عكاظ سيتطور خلال السنوات القادمة إن شاء الله ويستعيد إشراقة مجده التليد التي انطفأت عام 129 للهجرة ثم عادت للحياة قبل عشر سنوات.