محمد آل الشيخ
دخلت روسيا إلى الحرب السورية الأهلية وفي يقينها أنها ستحسمها لمصلحة النظام الأسدي وحلفائه من الميليشيات التي تأتمر بأمر ملالي الفرس، ومرتزقتهم. غير أن الأمور أتت بما لا تشتهي القيادات الروسية؛ فهاهم الآن يشرفون على انقضاء السنة الأولى من تدخلهم، وما زالت الحرب سجالا بين النظام والثوار، ينتصرون هؤلاء اليوم، وينتصرون أولئك غدا؛ ولعل الانتصار الذي حققه النظام في حلب وظنوه نهاية المطاف، ثم خسارتهم لما كسبوه، يؤكد أن روسيا لم تحقق حسما ذا قيمة في الحرب على الأرض، وإن تفوقت في الجو تفوقا كاملا. وهذا ما جعل الحرب تتحول إلى حرب استنزاف، لا يمكن حسمها بشكل نهائي إلا بخسائر وتكاليف مادية جسيمة كما اكتشف الروس على ما يبدو متأخرين.
روسيا وجدت على ما يبدو فرصة سانحة لا تفوت عندما استدار نحوها الرئيس التركي أردوغان، على أمل أن يساعدها التعاون مع تركيا في إنقاذها من المستنقع السوري الذي بدأت تغوص في أوحاله يوما بعد آخر، وليس ثمة مؤشرات ملموسة تشير إلى أن نهاية الحرب بين الثوار والنظام قد تنتهي قريباً؛ الأمر الذي يعني أن الحرب ستطول والتكاليف ستتراكم وتبعاتها سوف تتضخم، وبالتالي الاستنزاف الاقتصادي سيستمر دونما سقف زمني منظور.
ومن يقرأ أهداف المتحالفين مع النظام الأسدي، روسيا وإيران، سيلحظ بوضوح أن بواعث التدخل الروسي في سوريا تختلف عن بواعث التدخل الإيراني، روسيا لا تهتم ببقاء شخص الأسد قدر ما يهمها أن تبقى سوريا كدولة ونظام يدور في فلك نفوذها، في حين أن إيران يهمها بقاء بشار لشخصه وانتمائه الطائفي، لأن هذا هو السبب الذي سيجعل سوريا الدولة ومعها النظام تحقق أهدافها التوسعية الطائفية.
أردوغان يصر وما يزال على رحيل الأسد وقد يقبل ببقاء النظام، ما يجعل احتمالية أن يتلاقى بوتين وأردوغان في منتصف الطريق مع بعض التنازلات من الطرفين أمرا قد يكون ممكنا؛ أما الإيرانيون فهم يعرفون قطعا أن رحيل الأسد يعني أن طموحاتهم في سوريا التي استثمروا فيها سياسيا واقتصاديا طويلا ستنتهي وتتلاشى في الوقت الذي يغادر فيه الأسد وأركان حكمه دمشق، من هنا يصبح التحالف بين الأقطاب الثلاثة روسيا وتركيا وإيران شبه مستحيل إذا لم يكن مستحيلا بالفعل لتباين الأهداف.
ولا أظن الأتراك لا يدركون ذلك، غير أنهم على ما يبدو أرادوا من (بروبوغندا) التقارب الروسي التركي عامل ضغط دبلوماسي على الغرب، لكنهم قطعا لن يذهبوا بعيدا إلى التحالف أكثر مع روسيا على حساب تحالفاتهم الاستراتيجية مع الغرب؛ فالأحلاف السياسية تحدد جدواها الأرقام والحسابات الاقتصادية، وليست العواطف وما تمليه الغوغائيات الشعبوية.
الأمر الآخر الذي يجعل التحالف بين هؤلاء الأقطاب الثلاثة مستحيلا، أن ثمة اختلاف جذري في المنطلقات التي يتم بناء الأهداف المحسوبة عليها بينهم؛ فتركيا وروسيا دولتان (علمانيتان)، يهمهما المصالح الدنيوية، ويدوران معها حيث دارت واتجهت، في حين أن إيران دولة دينية كهنوتية، يتحكم فيها وفي توجهاتها التطلعات الدينية الماورائية، وما تمليه عليهم عقائدهم وفقهياتهم، وإن ألقت بهم إلى الكوارث، ما يجعل هذه التباينات في النتيجة تباينات جذرية ولا بد ان تكون فاعلة، وبالتالي ستقف عائقا في الغايات النهائية، وإن اتفقوا الآن في التكتيكات غير النهائية.
إلى اللقاء