إبراهيم عبدالله العمار
لو رأيتَ هذه الخريطة القديمة التي تعود إلى العثمانيين -رحمهم الله- وتحديداً القائد العسكري بيري فلن ترى فيها -مبدأياً- أي شيء مختلف، مجرد خريطة عادية مثل أي خريطة. لكن لو دققت في تفاصيلها لرأيتَ شيئاً مدهشاً: تفاصيل لا يفترض أن أي شخص على وجه الأرض يعرفها!
كيف هذا؟ أولاً دعونا نأخذ نبذة عن الخريطة: يعرفها الغربيون باسم خريطة بيري ريس، وذلك بجمع الكلمتين «بيري» وهو جزء من اسمه الكامل أحمد محيي الدين بيري، والكلمة الأخرى «ريس» وهي رتبة عسكرية عثمانية، فأحمد هو قائد عسكري بحري وكان قبطان أحد الأساطيل العثمانية التي حَمَت بلاد المسلمين من شر النصارى الإسبانيين والبرتغاليين والإيطاليين، وخاض معارك بحرية كبيرة مع الغزاة. لما بدأ العثمانيون يهتمون بالجانب البحري الذي تفوّق فيه النصارى اهتموا برسم الخرائط وجمع المعلومات، ومنهم القائد أحمد محيي الدين، فلم يكتفِ بقيادة الأسطول بل عكف على التعلم حتى صار خبيراً في عِلمين: الجغرافيا، ورسم الخرائط.
اعتمَد على الكثير من الخرائط ليصنع خرائطه وينقحها ويصححها باستمرار، وأشهر خرائطه بلا شك هي خريطة بيري ريس. عكف أحمد على صنع أفضل خريطة ممكنة، ولما انتهى وضع عليها السنة التي اكتملت فيها: 919هـ. جَمَع في هذه الخريطة بين مصدرين: الخرائط السابقة، ومعلوماته الخاصة عن جغرافية العالم التي عرفها بالتجربة. حَوَت الخريطة آسيا وأوروبا وجزءاً كبيراً من إفريقيا، وليس هذا فقط بل حتى القارة الأمريكية من اكتشاف كريستوفر كولومبوس قبل اكتمال الخريطة بواحد وعشرين سنة. خريطة أمريكا تبعث على التساؤل، لأن السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية صحيحة إلى درجة كبيرة، لكن كيف؟ لم يعرف أحد آنذاك جغرافية تلك المنطقة، واحتاج الإسبان والبرتغاليون عشرات السنين ليعرفوها لما غزو تلك الدول. من أين أتى أحمد بتلك المعلومات؟
لا ندري. أما الشيء المذهل فليس أمريكا بل أنتاركتيكا، القارة القطبية الجنوبية. رسم أحمد الخط الساحلي لأمريكا الجنوبية وكذلك الجزء الجنوبي من إفريقيا، ثم إذا انتقلتَ ببصرك للأسفل رأيتَ الخط الساحلي للقارة المتجمدة في القطب الجنوبي. كيف؟! هذه القارة لم تُكتَشف إلا عام 1819م أي بعد أكثر من 300 سنة من رسم الخريطة! بل الأعجب من هذا أن حدود القارة مرسومة بصحة عالية رغم أن الجليد يغطيها منذ عام 4000 قبل الميلاد ويجعل معرفة الحدود الصحيحة للقارة غير ممكن إلا بتقنيات حديثة! هذه جعل العلماء يحكون رؤسهم بحيرة: من أين أتى بهذه المعلومات؟ هل هناك خريطة عمرها 6000 سنة رسمها شخص عاش في القارة القطبية ورأى حدودها قبل أن يغطي الثلج حدودها؟ هل هناك حضارة عاشت في القطب الجنوبي وتركت خرائط حصل أحمد محيي الدين على إحداها؟ هل كان أصلاً البشر يقدرون أن يصلون للقارة القطبية الجنوبية في تلك الأزمان؟
أسئلة كثيرة جداً، وحيرة عظيمة تحيط بها، ولا يعلم أي إنسان حقيقتها.. حقيقة الخريطة الغامضة.