د. خيرية السقاف
تلفتت من حولها فإذا فراغ، ما بقي سوى الصدى، وبقايا ألعاب تتناثر، وآثار دالة لمن تعود..
الصغار هرعوا خارج الدار يبحثون، ..
الأم وخادمتها عند باب البيت خلف الباب تترقبان، ..!!
صفّقت بكفين هزيلتين بالكاد وصل النداء إليهما، «لبيك أماه..؟!»..وعرفت الجدة بأن قطة الصغار خارج الدار..
«قلت لكم لا تضيقوا عليها..، القطط تذهب وتعود»..
وتعود، ...
تعود..!! ..رددت ابنتها الكلمة، ورأسها يشير بالرفض، «لن تعود» تغير كل شيء..!
الجدة ترسم للقطة مسارها: ستذهب حيث تذهب، تتسور الجدار، تدلف إلى المنعطفات، تمر بالطرقات، في النهاية ستعود،..
قططنا زمان كانت لا تعرف حبس البيوت، ولا تغتسل بالصابون المعطر، قططنا لا تعرف الطبيب، ولا أغطية وافرة النعومة، .. قططنا تأكل الخشاش، ترد الماء حيث يساقط من المزاريب، وتلتقط قطع الطعام من هوامش الطريق، _ما شاء الله عليها_ كانت ذكية..
هكذا كل القطط ليست غبية تغيب، وتعود..!!
على رائحة الدار، والأيدي، والتراب عند الأبواب، القطط تعرف الصوت، والوجوه القطط لا تضيع..!
مر يوم بالكاد بقيت من شمسه ذيول، والغروب استفاض، والصغار لم يعودوا
شهقت الأم: صغاري لم يعودوا..،
«هؤلاء أيضا كالقطة سيضلون؟»
ألقت جملتها بتهكم في أذن ابنتها ونهضت تصلي المغرب،
الجدة بسكونها المدهش واثقة بأن القطة ستعود..!
جاء العشاء، واحدا واحدا يدلف من باب الدار، منكسي رؤوسهم..
أربعة لم يستطعموا لقمة طيلة النهار.. ولا أثر للقطة..!
«لم نغفل شارعا، طرقنا الأبواب ، تمهلنا في المنعطفات... لا أثر لها..» ..
سلّمت عن يمينها وشمالها الجدة وقالت:» زمنكم عجيب، وقططكم أعجب»..
فيما كانت ابنتها تسجد حمدا أن عاد صغارها المندفعون، تعرف أنه لم تعد للشارع رائحة، وأن خوفها كان أعظم ..!!
شهر مرَّ، والباب مواربٌ .!
تغير الشارع، والقطط تضيع..!!