د.عهود المالكي
اعتراف:
نصف القراء في مواقع التواصل الاجتماعي يُفقدون الكاتب شهيته للكتابة! والنصف الآخر لا يُعرف ما يُتوقع منه!
***
أصعب أنواع القرّاء هو القارئ الذي لا يقرأ! لأنه يُعطي الكاتب إحساسًا بالخسارة، ويقنعه بأن مهمته في زيادة مساحات النور والجمال في العالم هي بالفعل مهمة مستحيلة.
دائمًا ما يُصاب الكاتب بالخيبة عندما يقرأ تعليقات القرّاء العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، فنصف التعليقات لا تمت للموضوع المطروح بصلة، والنصف الآخر يأتي فارغًا من التحدي ولا يُضيف للكاتب أي شيء مما قد يصيبه بالبلادة!
فحتى يكون الكاتب كاتبًا من العيار الثقيل، فهو يحتاج إلى قارئ من العيار الأثقل يحلل ما يكتب، يرفضه، يعيد تشكيله، يخترع من النص الذي كتب صورًا لم يقصدها، ويُبهره بنزع الأقنعة عن الدوافع الحقيقية للنص الذي كتب. فالكاتب لا يكتب كيفما اتفق وإنما يُدير لعبة لفك طلاسم الحرف، ويحتاج لمحترفي قراءة لمواكبة اللعبة. وبقدر ما يحاول الكاتب أن يُعطي قرّاءه شعورًا بأن هناك حفلة ألعاب نارية تنتظرهم في نهاية النص، بقدر ما يريد منهم أن يمنحوه ذات الإثارة وذات التحدي!
***
يكتب الكاتب فينا لأنه يحتاج إلى أن يشارك مخاضه مع أحدهم، وبعض التعليقات تهين - ببلادتها- مخاضك!
لا يخاف الكاتب على نصوصه من شراسة القارئ. فالكاتب مثل محاربي الإغريق، كلاهما يترك ما ينجب في العراء، ومن لا يصمد لا يستحق الحياة.
لذلك لا شيء في تعليقات القارئ الواعي سيزعج الكاتب وإن أجهز بضربته القاضية على نصوصه.
ولكن أين هو ذلك القارئ الخاص الذي لن تتردد في التمسك به.
أين هو هذا القارئ المختلف التي يتحالف مع النص عليك، ويخترع من نصوصك نصوصًا أخرى أبعد مما أردت أن تكتب!
وأخيرًا، أين هو هذا القارئ الذي يستطيع أن يُحكم بسلطته متمردًا عليك، ويثير الحرب بينك وبين بياض صفحاتك كلما هممت بترتيب أفكارك!
***
يولد الإنسان ويضع مجتمعه بين يديه كتابًا، إلا على أرض هذ الوطن الحبيب يولد الإنسان ويضع المجتمع بين يديه هاتفًا نقالاً، وحاسوبًا، وأفكارًا مجتمعية بالية والكثير الكثير من التباهي!
لدينا منذ ولادتنا علاقة غريبة مع القراءة؟ فنحن لا نستطيع أن نمسك كتابًا دون أن يتلبسنا الشيطان؟
من يصالحنا على القراءة؟ ومن يفك عنا هذا السحر الذي لازمنا علنًا نستطيع أن نقرأ؟
نحن نحتاج إلى أن نقرأ لأننا لن نعرف الله ونحترم الإنسانية إلا بالقراءة، ولن نصلح الوطن ونعيد بناءه إلا بالقراءة! ولن نضيف كمبتعثين للرؤية الوطنية الجديدة إلا بالقراءة!
***
الكل في بلاد العم سام كان يقرأ إلا نحن، فقد أتينا بعاداتنا السيئة معنا للغربة. أكاد أجزم بأنه في الوقت الذي كنا نمسك فيه كعرب بهواتفنا النقالة ونتصفح فيها مواقع التواصل الاجتماعي دون أن نعرف حتى كيف أن نتواصل، كان من يجلس أمامك في « المترو» منهمكًا في قراءة كتاب أو رواية!
لا يمتلك المجتمع الأمريكي عدالة أو خلقًا ولكنهم يملكون شغفًا خاصًا بالقراءة، يجعلهم الأقدر على التعبير عن آرائهم دون أدني توتر وبحصيلة لغوية مهولة، مما يجعلنا نحتاج إلى سنين ضوئية حتى نصل إلى قراءة النصوص والتعاطي مع الأفكار بطريقة عميقة مثل نظرائنا في بلاد العم سام.
***
وأخيرًا، بالقدر الذي كنت أتمنى أن آخذكم فيه إلى حفلة ألعاب نارية في نهاية النص، لا يسعني إلا أن آخذكم نحو كثير من الاعتراف الصادق وخيبة كاتب في كثير من القرّاء العرب!!