رجاء العتيبي
من الذي أوهمنا أن داعش (باقية وتتمدد)؟ من أقنعها بذلك؟ ولماذا بقت وتمددت فعلاً في سوريا والعراق لفترة وجيزة؟ وبعد سنتين تقريباً هي الآن (زائلة وتتفتت) من الذي أمر بزوالها في هذه اللحظة تحديداً؟
أسئلة مشروعة, لا نجد لها إجابة شافية, فكل من الإجابات تحلق في سماء مختلفة, هل هي صنيعة روسية؟ أم إيرانية أم أمريكية أم سورية؟ أم كلها مجتمعة؟ المهم أنها الآن في طريقها لمكتبة التاريخ مع ألف سؤال حول دورها السياسي والعسكري وسيناريوهات إجرام مرعبة وقف لها العالم مذهولاً.
في تقديري أن داعش صناعة روسية مع تنفيذي إيراني سوري ودعم لوجستي إسرائيلي/ تركي, أما أمريكا فلا أظنها في المعادلة منذ البداية, ولكنها دخلت في الخط أخيراً لتقوم بعملية (الكنس والتنظيف) بعد التنسيق مع الأطراف المعنية, لأنها مع المجتمعات الأوربية لا يحتملون هذا النوع من البشر لفترة طويلة تبعاً لعواقبها الوخيمة عليهم وهذا ما بدا لهم مؤخراً وعاشتها مدنهم وشوارعهم.
والدور الروسي في صناعة داعش هو ذات الدور الأمريكي في صناعة القاعدة, فكل منهما وجّه الذئاب المنفردة والمجتمعة اتجاه منزل الآخر, تبعاً لنظرية (الحرب بالوكالة) في مناطق ملتهبة (أفغانستان, أوكرانيا, سوريا, العراق), وهو صراع (اقتصادي) بين روسيا وأمريكا أكثر منه صراعاً عسكرياً كأمر بدهي ومسلّم به.
لا يهم الروس والأمريكان أن يفنى العالم ويبقيان ويتمددان, لأنهما إذا واجها بعضهما عسكرياً سيفنيان ويبقى العالم, وهذا منتهى الحمق, ولكن المنطق لهما أن يفنى العالم ويبقيان, هذا هو سر كل الحروب التي يخوضها الكبار, أما الصغار فيتقاتلون نيابة عنهم في سبيل أن يبقى الكبير أقوى اقتصادياً وأقوى نفوذاً, لأنه إن لم يفعل ذلك (صغر) و(كبر) الآخر كحتمية تاريخية.
الشرق الأوسط هو أكثر منطقة ملتهبة خلال الخمسين سنة الماضية, وهو أكثر منطقة فيها موارد قابلة للصراع, وأفضل منطقة يخوض فيها الكبار حروبهم الاقتصادية, لا إفريقيا الوسطى ولا أمريكا اللاتينية ولا شرق آسيا تشبه الشرق الأوسط: وطن كبير مليء بالثروات والمواقع الاستراتيجية وشعوب نار قابلة للاستثارة.
ما يضحكنا هم شيوخ الفضائيات الذين يريدونها خلافة على منهاج النبوة, وهم لم يقرأوا سوى العنوان والفهرس من كتب السياسة, تساقط بسببها أبناؤنا في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل, وها هو الدرس ينتهي الآن مع كل الاحترام لمقياس الذكاء (IQ) الذي تفاجأ بدرجات (ذكاء) لا يعرف من أين أتت.
يبقى وطننا هو ملاذنا -بعد الله- هو الذي نبذل من أجله الغالي والنفيس, هو الذي نجاهد فيه (جهاد الدفع) حماية له وصيانة للأرض والعرض, كما يفعل جنودنا البواسل في الحد الجنوبي, كأقوى وحدة وطنية عرفها التاريخ, فلا نامت أعين الجنباء.