د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
كما للأفراد والمؤسسات، للدول علاقات عامة على قدر كبير من الأهمية يجب ألاّ يستهان بها مطلقاً. وبالرغم من أن بعض الخبراء يرى العلاقات العامة جزء من الإعلام، إلا أنها تختلف بشكل جذري عن النشاط الإعلامي التقليدي المتعارف عليه. والعلاقات العامة مهمة جداً لنشاط المؤسسات والدول وسمعتها وكذلك، وهو الأهم، تسهيل أمور معاملاتها مع الأطراف المهمة لوجودها. والدول ذات العلاقات المتوترة تدفع عادة ثمناً أكبر ووقتاً أطول لما يمكن أن تحصل عليه دول أخرى بثمن أقل.
ولا توجد علاقة متلازمة للصورة الإعلامية للمؤسسة وواقعها الحقيقي، فهناك دول استطاعت بناء صورة إعلامية قوية لها تخالف واقعها بشكل صارخ. فإسرائيل، خلقت صورة خارجية لها على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيطها، وأنها دولة مستضعفة في محيط من الدول المتخلفة المتوحشة. والتدخل الغربي في شئون الدول الأخرى من أجل مصالحه ومطامعه يروج له دائماً تحت مسميات جميلة: نشر الحرية، مكافحة الإرهاب، حماية الديمقراطية الخ.. ومن أكثر الأفكار شيطانية في هذا المجال الترويج في أمريكا والغرب عموماً على أنّ كره العالم لتدخلهم المستمر وجرائم الحرب التي يرتكبونها مصدره كره الآخرين لأسلوب معيشته التي يتبنّى الحرية والعدل!!
فكيف تعرف مؤسسة أو دولة أن علاقاتها العامة الخارجية ليست على ما يرام؟ يكون ذلك من خلال عدة مؤشرات منها: الاستعداد الدائم والتلقائي لنقدها وإلقاء اللوم عليها بحق أو غير حق؛ تضخيم أخطاء الدولة وعيوبها والتقليل من قيمها وإنجازاتها؛ حجب الأضواء عما تقدمه من مساعدات وتسليطها على الجوانب السلبية فقط؛ التردد في شكرها على أي موقف بنّاء؛ صعوبة الاصطفاف معها أو دعم قراراتها؛ ارتفاع ثمن العقود المقدمة لها وسهولة معارضة هذه العقود من جماعات الضغط المختلفة؛ الاستعداد لدائم للتفسير الخاطئ لقرارات هذه الدولة.
ويتطلب النجاح الدولي في العلاقات العامة عملاً وجهداً كبيرين ومتواصلين، ويتطلب أيضاً حساسية خاصة لما يجرى في العالم، ومراقبة لصيقة لتغير العالم وتغير قيمه. وهناك معاهد ومراكز دراسات للعلاقات العامة تعتمد عليها الدول في تسويق صورتها الدولية. كما يستعان بهذه الأجهزة لإعداد الرأي العام للقرارات الهامة، ثم متابعتها خلال تنفيذها، وكذلك تقييمها فيما بعد. فالعيش في تناقض مستمر مع العالم الخارجي مكلف ومضر.
والمتابع لصورة المملكة في الخارج سواءً في محيطها العربي أو الإسلامي أو الدولي، قد يجد أنّ هناك مجالاً واسعاً لتحسين هذه الصورة على كافة هذه المستويات. وهي صورة لا تتناسب حقاً مع ما تبذله المملكة من مساعدات أو ما تتخذه من مواقف للمصالح القومية أو الدولية. فالمملكة هي الدولة الأولى بدون منازع فيما يقدم من مساعدات للمحيط العربي والإسلامي. وخدمت المملكة العالم أجمع والاقتصاد العالمي لعقود بضمان مصدر آمن ومستمر للطاقة على حساب مخزونها النفطي. وللمملكة نصيب الأسد من العمالة الوافدة أو اللاجئين من الحروب التي من حولها، ولكن العالم على مستوى العلاقات العامة يبخس المملكة حقها من العرفان على المستويين الإقليمي والدولي، بل ربما يسيء تفسير كل هذه الجهود. وهذا يستوجب التوقف والتقييم ومعرفة الأسباب وعلاجها. فلا يعقل مثلاً أن تنظر لنا دولة وقفنا معها كحليف طيلة تاريخنا وفي أحلك المواقف أيام الحرب الساخنة والباردة هذه النظرة السلبية. فهل القصور منهم أم منا نحن؟
لا بد من تفكير منهجي ومراجعة دقيقة لأسباب هذه الصورة غير المستحقة للدولة والشعب السعودي في الخارج، ولا بد من علاج مكامن القصور. وهذا يتطلب عملاً ذكياً وفهماً متعمقاً للعالم الذي نتعامل معه من حولنا، وكذلك توعية شاملة ومستمرة للمواطنين بأهمية هذا الصورة. كما يتطلب مقاربات جديدة للمعونات التي تقدم للخارج بحيث لا يساء فهمها داخلياً وخارجياً، ويتطلب التخلص من بعض القضايا التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على سمعتنا الخارجية، مثل بعض القضايا المتعلقة بالمرأة التي مهما كانت فوائدها الداخلية لا تساوي العبء الذي تشكله علينا خارجياً. كما وقد يتطلب منا توضيح مواقفنا قبل اتخاذها، وشرح دوافعنا لتقديم المساعدات قبل بذلها. ويتطلب منا بعض التنازلات على مستوى بعض الأمور في الداخل بشكل ينعكس إيجاباً على سمعتنا في الخارج. فالمجتمع الخارجي، مثيلاً، لا يتفهم التناقض الواضح بين صورة الحياة المتعففة التي نعكسها في الداخل وحالة البذخ والانفتاح الكامل الذي يعيشها بعض السعوديين في الخارج. ويرون في ذلك تناقضاً كبيراً يسحبونه على مجالات أخرى أكبر أهمية كالمجالات الإعلامية والسياسية. فقد أزفت الساعة التي تستوجب منا العمل على تحسين صورتنا الخارجية بشكل جاد وفعال. وكذلك العمل على تطوير أجهزة للإعلام والعلاقات الدولية، ولا مصلحة لأحد في حال تعرضنا لعزلة سياسية لا سمح الله.