د.عبد الرحمن الحبيب
حوادث السيارات في الطرق هي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، والسبب الأول لوفاة الشباب حسب منظمة الصحة العالمية.. وضحاياها يفوق ضحايا الحروب والأمراض الوبائية والكوارث الطبيعية؛ ومع ذلك نحن نخشى هذه المخاطر أضعاف الأولى..
تقول الإحصاءات إن السائق عندما يسافر بسيارته فإنه احتمال تعرضه لحادث هو أكبر بمئات الأضعاف مما لو سافر بطائرة.. ومع ذلك نحن نظن أننا أكثر أمنا بالسيارة.. فلماذا نحن نخشى المخاطر الأخرى بأضعاف مخاطر السيارة؟ لأننا نظن أننا نسيطر على الوضع عند قيادة السيارة على عكس ما يحدث في الطائرة أو الأمراض الوبائية، فضلا عن اعتيادنا على حوادث السيارات وكأن وفياتها موت طبيعي.. ففي المملكة مثلاً يموت يومياً نحو 20 إنساناً نتيجة حوادث الطرق.. وبلغت الوفيات 7486 حالة وأكثر من 35 ألف إصابة عام 1435هـ (إحصائيات الإدارة العامة للمرور).
لكن لم تلق سلامة الطرق العناية الكافية عالمياً حتى من منظمة الصحة العالمية إلا بدءاً من عام 2007، ثم قامت لأول مرة بالإبلاغ عن حالة السلامة على الطرق بالتقرير العالمي الأول عام 2009، وبلغ ذروة الاهتمام بإعلان كافة دول الأمم المتحدة عقد عمل من أجل السلامة على الطرق عام 2010، وصدر التقرير الثالث العام الماضي.. وأهم توصية تعنينا هي وضع قوانين تحد من أسباب الحوادث وأهمها السرعة وسلامة المركبة وأن تكون مدعومة بإنفاذ قوي ومستدام وبوجود وعي لدى الجمهور..
وفقا لهذا التقرير فإن الحوادث تحصد أرواح نحو 1.24 مليون نسمة منذ 2007 ومعدل 35 مليون إصابة، 91 % منها بالدول النامية. هذا الوضع استمر على ذات الوتيرة حتى الآن. فإذا أخذنا بالاعتبار الزيادة السكانية بنسبة 4 % وزيادة عدد المركبات بنسبة 16 %، فقد تم إحراز بعض التقدم نتيجة القوانين المطبقة لتحسين السلامة على الطرق، لكنها غير كافية لبلوغ الهدف المتمثل بتقليص الوفيات إلى النصف بحلول 2020.المتوسط العالمي للوفيات هو 17.4 لكل مئة ألف نسمة، كان الإقليم الأفريقي هو الأعلى بنسبة 26.6 حالة، والإقليم الأوربي كان الأدنى بنسبة 9.3 حالة خاصة البلدان المرتفعة الدخل حيث تقلص إلى حدود أربع حالات أو أقل كما الدول الاسكندينافية وسنغافورة.. أما في الشرق الأوسط فيصل المعدل لنحو 20 حالة وفاة لكل مئة ألف نسمة. على المستوى العالمي كانت ليبيا الأولى عالميا بفارق كبير جداً (73 حالة) عن أقرب الدول التي يصل فيها المعدل إلى أقل من نصف هذا الرقم. وعلى مستوى الدول العربية جاءت السعودية الثانية (27.4 حالة وفاة) وقريباً منها الأردن (26.3 حالة) وعُمان (25.4 حالة)، والأدنى في فلسطين (5.6 حالة)، وفي دول الخليج الأخرى تراوحت من 8 في البحرين و10.9 في الإمارات إلى 15.2 في قطر و 18.7 حالة في الكويت.
التقرير العالمي أشار إلى أن الحوادث تتقلص مع زيادة دخل الفرد، باستثناء المنطقة العربية التي أظهرت توجهاً مخالفاً بالنسبة لدول الخليج الغنية، مما اعتبره التقرير ظاهرة غريبة لم يستطع تفسيرها. ويبدو أن قلة المركبات في الدول العربية غير الغنية مقابل النمو الاقتصادي السريع في دول الخليج والزيادة المضطردة فيها لعدد السيارات على الطرق، إضافة لترف المعيشة دون أن يترافق معه وعي ثقافي بإجراءات السلامة كان لها أثر في ارتفاع ضحايا الطرق في بلدان الخليج العربي مقارنة ببقية البلدان العربية باستثناء ليبيا. كذلك، ثمة ظاهرة أخرى في السعودية: التفحيط! من هنا أقر مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي عدداً من التعديلات المهمة المتعلقة بنظام المرور ومعاقبة المخالفين خاصة التفحيط واعتبرها مخالفة مرورية جسيمة تصل عقوبتها إلى غرامة 60 ألف ريال ومصادرة المركبة والسجن. الكرة الآن في ملعب الإدارة العامة للمرور فقد توفرت لها القوانين اللازمة، فإن لم تدعم بصرامة التنفيذ، ورفع الوعي الجماهيري بإجراءات السلامة خاصة بين الشباب، فإن فاعليتها ستكون ضعيفة..
ثمة إجراءات أخرى نحتاجها لتوفير البيئة المناسبة للسلامة.. الشباب طاقة وحيوية متفجرة وقدرات نشطة لا بد لها من الانطلاق ويستحيل كبتها، فكيف نوظفها ونوجهها؟ لقد بدأت في الظهور منتديات ومراكز ترفيه ومهرجانات ومسارح وغيرها، لكنها لا تزال قليلة.. مثلاً، الشباب المهرة في قيادة السيارات الذين يعشقون المغامرة وألاعيب السياقة، والذين سيطلقون هذه الطاقات حتماً، لا بد من توفر أندية رياضية للسيارات أو مضامير سباق تلتزم بشروط السلامة كي يوجهوا طاقاتهم هناك بطريقة رياضية سليمة ممنهجة.. ألم ترفع أعلام دول في المحافل العالمية لمثل هذه المنافسات الرياضية؟
يرى كثير منا أن الشاب الذي يذهب من المدرسة مباشرة إلى بيته هاجداً مطيعا للأوامر.. ينام أو يدرس أو يقابل التلفزيون أو الكمبيوتر هو الشاب الصالح! ربما هو كذلك وربما هو شاب خامل أو مقموع كُبتت طاقاته.. إنما هناك شباب لن تتوقف طاقاتهم من الفوران، وبعضهم قد لا يتوجه للشارع ويخاطر بحياته وحياة الآخرين بل ربما تستقطبه وتغرر به مجموعات إرهابية ترتدي حجاب الدين لتوجههم إلى تدمير مجتمعهم ووطنهم.. فلنسأل أنفسنا: ماذا هيأنا لهم؟.