استحضرتُ بركة رمضان ليلة الاثنين الموافق 15-9-1437هـ وذلك حين استضاف مركز المشير للدراسات التربوية والتعليمية بعنيزة سمو أمير منطقة القصيم الأمير د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز وعدداً من صحبه الكرام في لقاءٍ جميل مبارك مع نخبة من أصحاب الفضيلة المشايخ والمثقفين وكان بحق لقاءً متميزاً تبارك أن كان في إحدى ليالي رمضان وازدان بمشاركاتٍ جميلة حول موضوع يهمنا جميعاً وهو [حماية الشباب من المؤثّرات والمتغيرات]..
لقاء جمع بين إيجاز القول وحسن الفكر وجمال الطرح وأهمية الموضوع.. ولا غرابة فهمُّ الشباب أحدُ الهموم التي يضطلع بها مركز المشير للدراسات التربوية والتعليمية بقيادة مشرفه العام فضيلة الشيخ د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي الذي بدأ الزيارة بجولة للأمير على مرافق المركز ثم بدأ اللقاء بترحيب الشيخ د. أحمد بسمو الأمير مُثمِّناً زيارته وتواصله الدائم ثم استعرض جهوداً رائعة قام بها المركز في مسيرته خلال عشرة أعوام مضت من اهتمامٍ بالأسرة ونشرٍ للعلم وبرامج اجتماعية وأهمية دور مثل هذه المراكز في المجتمع ثم قدّم لموضوع الندوة التي كانت عن [حماية الشباب من المتغيرات] التي تتمثل في ثلاثة أخطار تختطف اليوم شبابنا وهي:
1 - بؤرة الفكر الضال والتطرف والغلو..
2 - براثن الإلحاد والتشكيك في الثوابت..
3 - الانحرافات المسلكيّة والأخلاق.
ثم بدأت المداخلات التي استطاعت بحق كما شعر جميع الحضور وأنا منهم أن تتناول هذه المتغيرات من جوانب شتى كلّها تهمُّنا فقد بدأ أول المداخلات الدكتور خالد المطرفي الذي تكلم عن جانب تأثّرِ شبابنا بشبهاتٍ فكريّةٍ تحتاجُ فعلاً إلى طريقةِ تناولٍ وطرحٍ مناسب لتثمر حلولاً وتساهم في إقناع هؤلاء الشباب ليس في دهاليز مغلقة بل في أروقة مهيأةٍ للفضاء المفتوح على مصراعيه ليحضرها جميع الشباب فالهمُّ مشتركٌ للوطن والقادة والعلماءِ والتعليم والإعلام وإذا أهملنا بعض النقاط التي تُسبِّبُ إشكالاتٍ في المفاهيمِ للشباب فإن الثمرةَ ستكون مُرَّةً علينا في تطرّفهم وغلوّهم وإلحادهم وانحرافهم ثم كانت المداخلة الثانية لكاتب هذه السطور عن أهمية دور الأسرة وكيانها في حماية أفرادها من هذه الانحرافات المتنوّعة فالمشكلات الأسريّة من فُرقةٍ وتنازعٍ وخلافٍ وطلاقٍ وعنفٍ أسري على الطفل والمرأة وغيابٍ لدورِ الآباء لا شك أنه مؤثر في أن يكون أفراد الأسرة عرضةً لجميعِ الانحرافات فوسائلُ التواصل بانتشارها وتنوّعها وانفتاحها أصبحت تمثل خطراً داهماً يؤثر على توجيه الأب ورعاية الأم وهما متواجدان فكيف بهما إذا غابا كلاهما عن البيت وضعف أثرهما فإن المصيبة حينذاك ستعظم ولا شك ولات حين مندم!!
ثم كانت المداخلة الثانية للدكتور خالد الشبل عميد كلية المجتمع الذي تكلم عن ضخامة حجم الشباب في المجتمع وأثره وقوته وأهمية إيجاد البرامج المناسبة له وأن ترعى الدولة والمؤسسات الخاصة والعامة هذه الطاقات للشباب بالدخول في اهتماماتهم وهواياتهم وأمنياتهم لأننا بدون الاهتمام بهم نهمل طاقاتهم لتتحوّل طاقة سلبية في المجتمع يكون أثرها ضاراً على الجميع.. ثم كانت مداخلة د/ فهد خلف المطيري التي زانت بشفافيتها حيث استعرض عدداً من الإشكالات التي يعاني منها الشباب في فكره وهمومه ممن يحاورهم وبين أننا نتجنب الخوض بهذه الإشكالات ولا نطرحها بشكلٍ بيّن رغم أثرها الواضح في صياغة فكر الغلوّ والتطرف والإلحاد وشذوذ الخلق وأن هناك شباباً يحملون فكراً ضالاً لا يزيله إلا جودة الحوار وحسن الطرح وذكاء العلم مع الشفقة والرحمة كي لا يكون شبابناً نهباً لغلاة الانترنت وأطروحاتهم..المحرّضة التي أصبحت سهلة المتناول اليوم..
ثم داخل أ.د يوسف الرميح وهو المتمرّس بالإرهاب وفكره حيث بين أن هذه المتغيرات لا يصلحها أن نلقي باللوم على جهاتٍ ونبرئ منها أخرى لأنها همٌّ مشترك للجميع في إصلاح المجتمع..وهذا الهم ينبغي أن يكون حضوره دائماً في مساجدنا وإعلامنا وتعليمنا ودوائرنا الرسمية وبيوتنا الأسرية..
ثم ختم مداخلات المشايخ بالندوة د. فريد الزامل لينبه إلى نقطةٍ مهمةٍ لها دورٌ كبيرٌ في إشكالاتنا وهي عدم استيعاب المخالف وسماع الرأي الآخر وقبوله حتى ولو اختلفنا معه وأن الأمة تعايشت عبر تاريخها رغم اختلافها بينها بلا مصادرةٍ ولا محاصصة تورث الفرقة والاختلاف والتنازع ثم الضعف والفشل ثم دعا إلى قراءة التاريخ والعودة إليه واستحضاره في أرض الواقع ليستفاد منه.. وشارك الأستاذ فهد العوهلي [صاحب منتدى ثالوثية العوهلي] بعرض دارستين مهمتين الأولى عن الإرهاب وأسبابه والوقاية منه والثانية عن ثلاثية المعرفة الوطنية للدكتور عيد اليحيى وأثرها في تعزيز الانتماء والمواطنة.. وكذلك شارك فضيلة الشيخ عبد الله المجماج مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بضرورة ارتباط مثل هذه الرؤى بمراكز الدراسات كالمشير وغيره للخلوص إلى آراء عملية نافعة..
ثم كان مسك الختام في مركز المشير بكلام الأمير..حيث تكلم وفقه الله فشكر جميع هذه المداخلات التي سجل نقاطها بيده وطلب توثيقها ثم علق عليها بأننا في هذا المجتمع نحتاج فعلاً لمثل هذه الدراسات التي لا بد أن تنطلق من التنظير بالقول إلى العمل في الميدان لحماية شبابنا والأسرة من تهديدات متنوعة يتعرض لها وطننا ومجتمعنا في هذا العالم المتلاطم بشبهاته وشهواته التي هددت كيان الأسرة وعلاقة أفرادها ونشرت أفكاراً مُضلّةٍ تحتاج لبرامجَ متنوعةٍ من جميع الجهات وتحتاج لندواتٍ يجتمع فيها الشباب مع المشايخ والمفكرين ليتحاوروا حولها بحوار مفتوح وهادئ يستوعب الضالَّ في فكرهِ ليُصلحَ حالَه ويناقش شبهته بلا تعنيفٍ ولا تقريعٍ كالمنهج النبوي ثم واصل سموّ الأمير بضرورة إبراز الدور العملي والإعلامي لمنطقة القصيم في مواجهة ظاهرة الإرهاب والفكر الضال، وأن هذا من همومه التي يريد إبرازها عن أهالي المنطقة وجهدهم حكومياً وشعبياً في مواجهة هذه الآفة..ثم تمنى سموّه دوراً أكبر للعلماء وطلبة العلم في الردِّ على الشبهات والشهوات وأن هذا خيرُ رادعٍ لها وأفضلُ ردٍّ عليها.. ثم ختم سمو أمير منطقة القصيم مداخلته الرائعة بأننا في هذا البلد ولله الحمد نحظى باجتماع للكلمة وتوفيقٍ للرأي وبعلماءَ وقادةٍ ينبغي أن نعتزَّ بهم ونتمسك بتميزنا ديناً وخلقاً وننبذ الازدواجية في الفكر والخلق ونعتز بما لدينا ولا نغتر بغيرنا مع رغبتنا الدائمة بأخذ النافع المفيد من كل أحد في التربية والتعليم والنظام..وإذا ما تكاتفنا سننجح ونقاوم كل فكر ضال وخلق ضار..
ثم شكر المشرف العام على مركز المشير وأعضاء مجلس الإدارة وأبدى وعده بأن تكون ليلةً رمضانيةً فكريةً تعقد في كل عام لتتناول موضوعات تهم المجتمع والوطن!!
عذراً للإطالة أحبتي لكنني تركت القلم سيّالاً ليُعبِّر عن ليلةٍ رمضانية مباركةٍ تشرّفت بحضورها والمشاركة بها لأنها فعلاً تميّزت بموضوعها وحضورها ومشاركيها ..وكم نحتاج فعلاً لمثل هذه الحوارات الجميلة برعاية رسمية وحضورٍ بهيجٍ كالليلة لنناقش بها همومنا المشتركة ونطرح رؤانا الواعدة..فنخبة المجتمع الشرعية والفكرية والأكاديمية والثقافية تحتاج للمبادرة لدراسة مثل هذه الهموم والأفكار لتخلص إلى رؤى تساهم القيادة بمشاركتها بحضورها والاستماع لوضع الحلول الكفيلة لعلاجها..
- عضو مجلس إدارة مركز المشير وإمام وخطيب جامع السلام