هاني سالم مسهور
سبع سنوات احتاج إليها السير جون تشيلكوت ليقدم نتائج لجنته المختصة بالتحقيق حول مشاركة بريطانيا في حرب العراق، وحتى الآن كان نتاج تقرير اللجنة هو إعراب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عن أسفه بعد انتقاد التقرير إدخال بريطانيا في الحرب، فهل يكفي الاعتذار؟، تساؤل قد لا يكون لائقاً مع حقيقة مآلات الحالة العراقية المتشظية بل والغارقة في الفوضى منذ غزو العراق في 2003م، فالديمقراطية التي بشرَ بها الرئيس الأمريكي دبليو بوش الشعب العراقي لم تكن سوى تحويل العراق إلى غابة يسكنها كثير من الوحوش التي فتكت بالشعب وجعلته يسبح في بركة من الدماء العراقية الحارة.
غزو العراق كان خطأ كبيراً مهما كانت مبرراته، ومهما حاول بلير أو بوش أو غيرهما أن يجدوا مسوغات للغزو، فالعالم الذي خرج من الحرب العالمية الثانية في 1945م بنظام دولي يحدد الضوابط العامة كان يدرك أن لا يجب تكرار الأخطاء التي أدت إلى انتشار الحروب في كل العالم، حتى في غزو العراق لدولة الكويت في 1990م كان العالم حازماً تجاه صدام حسين وتعامل بمنطق تحرير الكويت وإعادة دولتها وكيانها السياسي.
التجربة العالمية في معالجة الأزمات الدولية الحادة كانت أكثر وضوحاً في حرب كوسوفو 1998م، وكانت واحدة من أكثر الأزمات التي عرفها العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة تقاطعات سياسية ودينية وكذلك عرقية في ذلك الجزء من العالم، وقد نجح (الناتو) آنذاك في التعامل مع تلك الحرب الشرسة دون أن يغزو يوغسلافيا السابقة التي انتهت صراعاتها بتقسيمها إلى كيانات سياسية قادرة على التعايش بالقدر الممكن.
أخطر ما ورد في تقرير السير تشيلكوت هو عدم تقدير رئيس الوزراء الأسبق توني بلير للتحذيرات التي عبرت عن مخاوف أجهزة الاستخبارات من ما يمكن أن تصل إليه الأمور في العراق والشرق الأوسط، وكان من بين التحذيرات ما نشره موقع Dissident Voice المناهض للحرب قبل شهر من الصراع، عندما قال إن الهجوم الأمريكي والاحتلال اللاحق للعراق سوف يقدم إلهامًا جديدًا، وتعيينات جديدة لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى، بالإضافة إلى أنه سوف يحفز خطر الإرهاب المتزايد طويل المدى، إما على الأراضي الأمريكية أو ضد المواطنين الأمريكيين في الخارج.
لقد بات اليوم الحديث حول دور رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير في تحشيد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، سرّا وعلنا، من أجل خوض حرب في العراق لإسقاط صدام حسين بدعوى امتلاكه أسلحة محظورة، لكن بهدف إعادة صياغة الشرق الأوسط، هو الأكثر حضوراً في ذهنية العرب الذين يتابعون يومياً مآسي العراق المتواصلة، وكيف أدى الغزو لظهور الإرهاب في العالم، بل كيف تمكن الإرهاب من أن يمتلك مساحة جغرافية واسعة على تراب بٌلدان تعاني صراعات دموية هي العراق وسوريا، والأكثر من ذلك كيف تمكنت إيران من الاستفادة الكاملة من هذا الاختلال في الدول العربية؟.
قد يكون بالفعل العراق ليس محتاجاً لاعتذار بلير أو حتى محاكمته بالقدر الذي يحتاج فيه العراق إلى استعادة نفسه التي تكالبت عليها المليشيات الفتاكة بكل ما في ذلك العراق من بشر وشجر وحجر، المسؤولية الدولية تجاه العراق وسوريا لا يجب أن تتوقف عند الاعتراف بأن الغزو كان جريمة، فالجريمة الحقيقية هي أن تستمر دوامة العنف التي يقودها الإيرانيون عبر أجندتهم الطائفية بعد أن اعترفوا بأنهم قد أخضعوا عاصمة العراق بغداد وبعدها دمشق وبيروت وصنعاء لمشروعهم التوسعي القائم على الطائفية ومرجعية الدولة للولي الفقيه في طهران.
هذا العالم الذي يستطيع أن يعترف بالأخطاء الكبرى عليه أن يكون أكثر جرأة وشجاعة في مواجهة النتائج، فلا يمكن للعراق وكذلك سوريا أن تدفع دماء غزيرة من الأبرياء من أجل صراعات مستدامة تستفيد منها دول محددة في العالم عبر جماعات متطرفة وصلت لتهديد الأمن في كل التراب الأوروبي وحتى ضربت عبر ذئابها المنفردة الولايات المتحدة في عشرات العمليات الدامية، وكذلك القتل لا يخلق شيئاً غير القتل، فالمعالجة لأزمة العراق وسوريا تعني علاجاً أكيداً لإرهاب تجاوز كل الحدود وأصبح خطراً داهماً مهدداً كل إنسان في الأرض.