اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
دولة الرسالة
أكدت في كل كتاباتي السابقة، وأعيد اليوم، وسوف أظل أردِّدُ دائماً، مذكِّراً الجميع أن بلادنا الغالية المباركة هذه، أنشئت أساساً لأداء رسالة عظيمة سامية، تتعلق بحراسة العقيدة وتنقيحها من الشرك وكل ما علق بها من شوائب تخالف ما جاء في كتاب الله العزيز الحميد وسنَّة رسوله المصطفى الأمين، عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم. إضافة إلى خدمة المواطنين، وترسخ أمنهم على نفسهم ومالهم وحرماتهم، وتوفير العيش الكريم لهم، ورعاية مصالحهم في الداخل والخارج، والاهتمام بكافة شؤونهم وكل ما يهمهم من أمور الحياة؛ ورعاية شؤون العرب والمسلمين أينما كانوا في بلاد الله الواسعة، والعمل الجاد الصادق الحثيث من أجل تضامنهم وتوحيد كلمتهم، والذود عنهم بالنفس والولد والمال؛ ومن ثمَّ تعمير الأرض وتحقيق معنى الخلافة، بالسعي من أجل خير البشرية في كل مكان، ليعمّها الرخاء، وتنعم بالأمن والسلام والاستقرار.
وفي عاصفة الحزم اليوم وإعادة الأمل في اليمن (السعيد) خير شهيد. بل إن من يتأمل كلمة والدنا وقائد مسيرتنا القاصدة المظفرة دوماً بإذن الله، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، التي وجهها إلى مواطنيه وإلى أمة الإسلام عامة، بمناسبة عيد الفطر السعيد، يجد أن (90%) منها تقريباً، موجَّه لأمة الإسلام بالدرجة الأولى: (إخواني المسلمين في كل مكان... نستهدي بتعاليم ديننا الإسلامي الذي يعصم الدماء والأموال، مستشعرين موقفنا في قلب العالم الإسلامي، وتشرفنا بخدمة الإسلام والوقوف بجانب المسلمين في أرجاء المعمورة والدفاع عن قضاياهم المشروعة، وفي مقدمتها قضية فلسطين... ونسأله أن يأخذ بأيدينا لما فيه خير أمتنا وصلاحها... ويرحم جميع أموات المسلمين... إلخ).
ولهذا، لم أتجاوز الحقيقة عندما كتبت مقالي (قائدنا سلمان.. حُلْمُ الأمة)، الذي نشر بجريدة الجزيرة، يوم الأربعاء 27-7-1437هـ، الموافق 4-5-2016م، ص 29. ولهذا أيضاً أقول بكل ثقة، ملء الفيه، لإخوتنا الأعزاء في أحواز العروبة والشهامة والمروءة والصمود، إنهم لم يُفْرِطُوا في التفاؤل وهم يرددون في مظاهراتهم: (سلمان.. شد حيلك بيه).. فسلمان اليوم عزوة العروبة والإسلام والمضطهدين المظلومين في كل مكان، وأؤكد لهم أنه لن يخذلهم أبداً، إن شاء الله.
والدليل، تلك المكانة المهمة التي تحتلها بلادنا اليوم، بعد أن أصبح قائدها رقماً مهماً في تحديد مسار سياسة العالم واقتصاده، إذ يقود تحالفات عربية وإسلامية فريدة في تاريخ الأمتين، لمواجهة الإرهاب والتعامل مع كثير من الملفات الشائكة في المنطقة وغيرها. وردع قوى البغي والشر، مما اضطرها للتفكير ألف مرة قبل التمادي في لعبتها الشيطانية التي لم تكن تنطلي على رجل حازم حاسم مثل قائدنا سلمان، الذي لا يرضى الذل والهوان لأمته، مهما كان.
والحقيقة، هذه ليست سياسة طارئة، بل هو ديدن هذه الدولة السعودية الفتية منذ نشأتها الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة المريدي، عام (1157هـ - 1744م) إثر لقاء الدرعية التاريخي، بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، يوم بايع الثاني الأول و وضِع ميثاق الدرعية، و ولدت الدولة السعودية، فكان العهد المسؤول، والجهاد الموصول، والمجد المأمول؛ وبدأ تاريخ نجد الحديث، بل تاريخ الجزيرة العربية كلها، كما يؤكد كل من تشرف بكتابة تاريخ بلادنا.
ومثلما أجمع المؤرخون أن الإمام محمد بن سعود كان بطلاً مقداماً وفياً شهماً كريماً، عادلاً سياسياً حكيماً، عابداً تقياً مشمراً في نصرة الإسلام، ثابتاً ثباتاً فريداً في تأييد الدعوة ونصرتها، لم يثنه شيء عن الجدِّ في نصرة هذا الدِّين الحنيف، شديد الحب لرعيته، حريصاً على خدمتهم وتحقيق نفعهم؛ أسس دولة دامت ستًا وسبعين سنة؛ أقول مثلما أجمع المؤرخون على وصف الإمام محمد بن سعود بتلك الأوصاف المستحقة، أجمعوا كذلك على وصف حفيده الإمام تركي بن عبد الله، بأنه كان (بطلاً يصنع التاريخ).
والحقيقة، لا يسع المجال هنا لسرد كل تلك الأوصاف التي أوردها المؤرخون عنه، ولهذا لا أجد جامعاً لها أفضل مما قاله المتنبي في مدح سيف الدولة:
فإن تَفِقِ الأنامَ وأنت منهم
فإن المسك بعضُ دم الغزال
أجل.. ذلك هو البطل الإمام تركي بن عبد الله ابن الإمام محمد بن سعود، الذي أعاد تأسيس دولة الرسالة عام (1240هـ - 1824م،) على أنقاض تركة مثقلة بالخراب والدمار. ومهما تعاظمت المحن وادلهمت الخطوب وبرزت التحديات، كان لابد لدولة الرسالة أن تستمر في أداء هذا الواجب العظيم، الذي شرَّفها الله به، فبعد أفول نجم دولة الإمام تركي بن عبد الله، انبرى من بين الصفوف حفيده، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، القائد الفذ، البطل الهمام، الرجل الصالح؛ فأعاد صياغة التاريخ معزِّزاً الإيجابيات، وواضعاً علاجاً ناجعاً للسلبيات. فأسَّس دولة الرسالة من جديد عام (1319هـ - 1902م)، على النهج نفسه الذي رسَّخه آباؤه وأجداده الكرام: كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، خدمة للدِّين، نصرة للمسلمين، رعاية للمواطنين وسعياً من أجل خير البشر أجمعين. فكانت هذه الدولة السعودية الفتية، التي نتفيأ اليوم ظلالها الوارف، الذي امتد إلى كل قارات العالم، يوطد الأمن والأمان، وينشر السلام، ويداوي الجراح، ويساهم بقدر وافر في مساعدة الناس أينما كانوا، دونما تفرقة بسبب عقيدة أو جنس أو لون؛ بعدما أسس عبد العزيز بنيانها المتين، وأعد لها رجالاً أشاوس من أبنائه الكرام البررة، وضمن لها وحدة اندماجية لم تشهدها جزيرة العرب عبر تاريخها الطويل، لأن هم الرجل الصالح عبد العزيز كله كان منصباً في استمرار هذه الرسالة العظيمة، التي شرَّفنا بها الخالق سبحانه وتعالى، وأي تشريف أعظم من خدمة ضيوف الرحمن، وتعمير الحرمين الشريفين، وضمان أمنهما، وتهيئة المشاعر المقدسة خدمة للحجاج والمعتمرين والزوار.. ذلك وحده كان هاجس عبد العزيز الذي عبَّر عنه صراحة للمستشرق الألماني، كارل بروكلمان، صاحب كتاب (تاريخ الأدب العربي) الذي عُرِف بـ(شيخ المستشرفين): (إذا وفق الله أولادي، كما وفقني، فسوف يتولون مقدرات مائة مليون مسلم). فالحمد لله الكريم المتعال، الذي وفق أبناء عبد العزيز اليوم لرعاية شؤون نحو ملياري مسلم في العالم، واستضافة نحو ثلاثة ملايين منهم سنوياً في مكة المكرمة والمدينة المنورة، في موسم الحج والعمرة؛ أي ما يفوق سكان كثير من دول العالم اليوم، وتقديم كافة الرعاية الضرورية لهم، من مأكل ومشرب ومسكن، وعناية طبية، وضمان أمنهم وسلامتهم، وتوفير كافة الوسائل المهمة التي تمكنهم من أداء نسكهم في تؤدة وطمأنينة، حتى أصبح البعض يصف الحج اليم بأنه سياحة (خمسة نجوم)، بعد أن كان في السابق مشقَّة عظيمة. وقد تحقق ذلك كله بفضل الله أولاً وأخيراً، ثم بنية قادتنا الكرام الصادقة، وثقتهم في خالقهم الذي شرَّف بلادهم بهذه الرسالة العظيمة، وعلو همتهم ونذرهم نفسهم ومالهم وولدهم من أجلها، والتفاف شعبهم حولهم، حتى أصبح الشعب السعودي كله اليوم آل سعود، والكل يزاحم لكي يؤدي دوره المهم في حمل هذه الرسالة العظيمة. ولهذا لاغرو أن رأينا هذا السيل الهادر من عبارات الإعجاب والثناء على قادتنا وأبنائنا وبناتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام؛ عرفاناً وامتناناً لما يبذلونه من جهد عظيم صادق في خدمة ضيوف الرحمن، بلغ حد تقبيل الرأس في الترحيب بهم، وحمل العاجزين على الأكتاف.. دون منَّة على أحد، بل هو حق مستحق لقاصدي بيت الله والسلام على رسوله الكريم؛ شكراً لله المنعم الوهَّاب على هذه النعمة العظيمة.
شاهد من أهلها
هؤلاء هم نحن هنا في ديار الإسلام، قيادة فذّة، حكومة راشدة، شعباً وفيَّاً وأرضاً طيبة معطاءة.. نبعاً للخير وموئلاً للمكارم والمحامد. واليوم للأسف الشديد، تخرج علينا فئة جاهلة ضالة مأجورة، من الدواعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرهم من المتطرفين أعوان الشيطان، تمارس الإرهاب باسم الدِّين، وتعيث في الأرض فساداً، خدمة لأجندات خارجية لم تعد خفية على أحد، اعتدت على النفس المحرَّمة، ودمَّرت البنية التحتية، وشرَّدت ملايين النساء والأطفال والعجزة، الذين افترشوا الصحراء والأرض الجرداء، والتحفوا السماء، وركبوا أمواج البحار الهائجة، ليصبحوا لقمة سائغة للحيتان، أو صيداً ثميناً لمافيا تجارة البشر، في أحسن الأحوال.
أقول جهلة، بل موغلين في الجهل، لاسيما الدواعش الذين سمّوا نفسهم (الدولة الإسلامية) والحقيقة أنهم ليسوا إسلاميين وليسوا بدولة؛ كما أكدت رئيسة بريطانيا الجديدة تريزا ماي، مستدلة بالقرآن الكريم، في قوله تعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ، وقوله سبحانه في سورة البقرة: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
أقول، موغلين في الجهل لأنهم عجزوا عن فهم القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة، حتى كما يفهمها غير المسلمين، مع احترامنا لكل الديانات. فلو أنهم فهموا القرآن كما فهمه هؤلاء، لما أقدموا على تلك الجرائم البشعة، التي لا يقرها دين ويندى لها الجبين. فلم يسعفهم جهلهم لفهم قول المصطفى، صلى الله عليه وسلَّم: (لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل رجل مسلم)؛ فتفنَّنوا في قتل الأبرياء. ولم يسعفهم جهلهم كذلك لإدراك مدى غضب الرحمن من النطفة التي توضع في الرحم الحرام، إذ يهتز لها عرشه، سبحانه وتعالى؛ فهتكوا الأعراض. ولم يسعفهم جهلهم لإدراك أن أجر اللقمة في بطن الجائع أعظم من جبل أحد؛ فشرَّدوا الضعفاء ويتموهم، وحاصروهم وقتلوهم جوعاً وعطشاً.
يتبجحون باسم الدِّين، وفي الوقت نفسه يتعاطون الكحول والمخدرات، ويأكلون لحم الخنزير، ويعتدون على شرف العفيفات، ويسرقون وينهبون، ويقطعون الطرقات، ويفجرون الآمنين ويدهسونهم بالشاحنات؛ بل أعظم من هذا وأقبح: يُرَوِّعون المسلمين في الشهر الحرام والبلد الحرام، دونما احترام وتوقير لرسول الإسلام.. فأي إسلام هذا وأي دولة تلك، على رأي تريزا ماي، التي تنافي أفعالها الفطرة السوية والعقل السليم، فضلاً عن منافاتها للدين!
فاليوم، بعد استهداف المسلمين في مدينة رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ينبغي على كل من كان في قلبه ذرة إيمان، أن يناصب هؤلاء الدواعش المتطرفين العداء، وألاَّ يشعر حتى مجرد شعور بالتعاطف معهم، فضلاً عن تأييدهم أو دعمهم بأية وسيلة، أو الانضمام إليهم، حتى لا يتهم في دينه، ويعرِّض يقينه لخطر عظيم؛ إذ ليس أعظم جرماً من استهداف بيت الله الحرام، كما حدث عام (1400هـ - 1979م) أثناء فتنة الجهيمان، واستهداف مسجد رسولنا اليوم على يد الدواعش الجهلة المتطرفين.. تبَّت يداهم وتب.
مع ثقتي الشديدة التي لا تحدها حدود، أن الله سبحانه وتعالى لن يمكنهم من بيته، ولا من مسجد رسوله، وسوف يكفينا شرَّهم، ويجعل كيدهم في نحرهم بفضله. ففي سبيله نجاهد، ومنه نستمد العون والثبات، وعليه نتَّكل، ولن يخذلنا مادمنا نحسن الظن فيه، ونهب حياتنا كلها لخدمة دينه، لتكون كلمته هي العليا.
أعظم من المؤامرة وأخطر
لقناعتي الشديدة بنظرية المؤامرة، لا يكاد مقال لي يخلو من إشارة إليها، وإن كان على عجل. لكن للأسف الشديد، ظهرت أقلام بعد ذلك (تستهجن) الحديث عن نظرية المؤامرة على طريقة (ثقافة العقل الجمعي)، مستنكرة (اتخاذنا إيَّاها شماعة) لتبرير أخطائنا وفشلنا أحياناً، كما قالوا.
وحقاً، لا أدري دافعهم بالضبط، عن قصد أو جهل أو (خالف تُذْكَر). غير أنني أستطيع القول بكل تواضع: لديَّ الكثير الذي أستطيع أن أرد به بضاعة أولئك عليهم. لكنني مع هذا، لن أعود إلى اتفاقية سايكس - بيكو المشؤومة، وتبعاتها التي أصبحت معروفة للكل بالضرورة. بل أكتفي بطرح بعض أسئلة بسيطة عن الأحداث الراهنة في منطقتنا خاصة:
- فليقل لنا أولئك رأيهم بأمانة في تقرير تشيلكوت بشأن المعلومات (الموثَّقة) التي اعتمدت عليها بريطانيا وأمريكا لشن الحرب على العراق، بصرف النظر عن رأينا في صدام حسين، تلك الحرب التي قدَّمت العراق على طبق من ذهب لإيران؛ فسلخته من محيطه العربي.
- بل ليقل لنا أولئك رأيهم في إقرار الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، بعد أكثر من عقد من (مسرحية) المفاوضات التي كان ينبغي أن تكون (شاقة) حقاً بسبب خطورة هذا الأمر وما ينطوي عليه من تهديد حقيقي لكل دول المنطقة.
- وليقل لنا أولئك أيضاً رأيهم بصراحة في فشل أكثر من ستين دولة بقيادة (أمريكا) في القضاء على تنظيم داعش الذي لا يتجاوز عدد مقاتليه ثلاثين ألف مقاتل في أحسن الأحوال، بعد خمسة عشر سنة من نجاح تحالف نصف هذا العدد من الدول في سحق الجيش العراقي بقضه وقضيضه، مع أنه كان خامس أقوى جيش في العالم، ومرة أخرى، بصرف النظر عن رأينا في صدام كما أسلفت، الذي نُحَمِّلُه كثيراً مما تعيشه منطقتنا اليوم من مآسٍ.
- وليقل لنا أولئك سر التواطؤ الأمريكي _ الروسي اليوم في سوريا، وسر سيوفهم التي يزعمون أنها مع ثورة الشعب الشرعية، وقلوبهم التي مع الأسد.
- وليقل لنا أولئك أيضاً سر تحريض الجيش التركي للانقلاب على الشرعية والديمقراطية التي طالما تغنى بها الغرب، وسر موقف أمريكا التي كانت تقدم رجلاً وتؤخر أخرى في إدانة الانقلاب (في انتظار النتيجة النهائية للعملية)، وسر تبادل الأدوار بين دول الغرب في التلويح في وجه تركيا بالجزرة والعصا فيما يتعلق بتعاملها مع الانقلابيين وزعيمهم غولان؟ أما هذا السؤال فأكفيكم شر الإجابة عنه: لأن فتح الله غولان زعيم الانقلاب، يعيش في أمريكا، في ولاية بنسلفاينا، ويترأس شبكة هائلة من مائة وستين مدرسة خاصة ترفد التعليم هناك، إضافة إلى مراكز بحث وشركات و وسائل إعلام في خمس قارات. وبالطبع لا يمكن إغفال رغبة الغرب في حليف (مطيع)، غير أردوغان (يسمع الكلام) للتعامل مع ملف اللاجئين الذي قضَّ مضاجع أوروبا.
وبالطبع، لا يفوتني هنا، قبل أن يجيب أولئك عن سؤالي، إن كان فعلاً لديهم إجابة (شفافة)، أن أحيي الشعب التركي، الذي تحدَّى دبابات العسكر وطائراتهم الحربية، بصدره العاري، حماية لبلاده من فوضى (الخريف العربي).
- وليقل لنا أولئك أيضاً سر اتهام بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي لبلادنا بدور ما في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، بعد خمسة عشر سنة أيضاً من حدوثها، بصرف النظر عما دفعته بلادنا من ثمن باهظ، وما بذلته من جهد صادق في مكافحة الإرهاب نفسه الذي زلزل أمريكا آنئذٍ، في تجربة مثيرة أدهشت العالم بشهادة من اتهمونا نفسهم.
- بل ليقل لنا أولئك سر احتياج المخابرات الأمريكية لعقد ونصف للانتهاء من فحص (28) ورقة (سرية) فقط، بمعدل ورقة واحدة وتسعة أعشار الورقة من التقرير الخاص بتلك الهجمات كل عام، للإعلان عن أنها لا تظهر أي دليل على تواطؤ سعودي.
- وليقل لنا أولئك ما الذي يمكن أن تنطوي عليه بقية أوراق التقرير التي لم تُفْحَص بعد، أم أنها ستبقى لتفحص عند اللزوم؟
- وليقل لنا أولئك لماذا لم يستهدف الإرهابيون (خاصة الدواعش) إيران ودولة الكيان الصهيوني؟ وليقل لنا أولئك بهذه المناسبة، لماذا لم يعترض الغرب على تدخل إيران في بلداننا، خاصة احتلال العراق وتمزيق سوريا إلى أشلاء، فضلاً عما يحدث في اليمن ولبنان. بل ليقل لنا أولئك بهذه المناسبة أيضاً لماذا يتواطأ الغرب مع إيران على تهريب السلاح وتوفير الدعم اللوجستي للانقلابيين في اليمن، تحت نظر الأمم المتحدة وسمعها، بل عبر سفن تابعة لها أحياناً. وليقولوا لنا سر حرص آية الله في إيران، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن وفتح الله غولان عند الأمريكان، على تدمير بلداننا وخرابها؟
- وليقل لنا أولئك حتى سر لعبة البوكيمون (Pokemon Go). وليقولوا لنا... وليقولوا الحقيقة، أو يَكُفوا عن تغييب العقول والتقليل من شأن ما يحيط بنا من تآمر القوى الخارجية علينا.
وبعد
أؤكد أنني ضد إراقة أية قطرة دمٍ ظلماً، مهما كان السبب، بصرف النظر عن عقيدة صاحبها، جنسه أو لونه. بل أكثر من ذلك: تؤذيني كثيراً مناظر القتل والدمار والخراب، ورائحة الموت المنتنة، التي تفوح من نشرات الأخبار كلها يومياً. وأتألم كثيراً أيضاً لمنظر اليتامى والأرامل والمشردين؛ وتؤلمني أكثر تلك الأسئلة الحائرة في وجه الطفولة البريئة، وهي تُقْتَلَع من مسقط رأسها، بحثاً عن الأمان في خيمة في ملجأ ما، أو مقعدٍ في قاربٍ متهالك يصارع الموت وسط الأمواج الهادرة، بحثاً عن فرصة عيش (آمن) في مهجر ما في بلاد الله الواسعة.
وأؤكد أيضاً، أنني تألمت كثيراً لضحايا هذا الإرهاب الأعمى في فرنسا، من شارلي إيبدو حتى نيس، وفي دالاس بأمريكا، وفي بلجيكا، وبنقلاديش، وسريلانكا، وأندونيسيا، والفلبين ونيجيريا.. وفي كل مكان في العالم يحدث فيه انتهاك للحرمات بهذا الشكل البربري المرعب. لكن قطعاً، تفطَّر كبدي من الألم نتيجة ما يحدث في منطقتنا، أيضاً بسبب الإرهاب وتكالب الغرب وتآمره علينا. فهذا هو العراق تحوَّل اليوم إلى دولة فاشلة بكل معنى الكلمة، تتنازعها ميليشيات متناحرة، تتقاتل للسيطرة على حي في مدينة أو بناية في حي؛ والكل يتربص بالكل. وتلك هي سوريا تئن منذ خمس سنوات ونيف، تدوسها جحافل (1200) فصيل متقاتل، عدا بطش النظام وأعوانه. وتلك هي لبنان.. باريس الشرق، اختطفتها إيران عن طريق عميلها (حزب الله)، وتعيش اليوم لعامين دون التوافق على رئيس دولة. و لو لا توفيق الله، ثم عزم قائدنا سلمان وعاصفة حزمه، لكان اليمن (السعيد) اليوم في خبر كان.. مثل العراق وسوريا ولبنان. أما ليبيا وتونس ومصر والسودان، فحدِّث و لا حرج.. كلها تعيش كابوس الإرهاب، وتدفع ثمناً باهظاً لتآمر الغرب علينا، أدى أحياناً لتقطيع أوصالها، كما حدث في السودان، للأسف الشديد.
وعليه، أعود مؤكداً من جديد ما سبق أن ذكرته مراراً: على الغرب أن يدرك جيداً أن حرية الاعتقاد أعظم حقاً من حرية التعبير، فيحث مواطنيه على احترام الأديان، والكف عن الإساءة إلى رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومضايقة المسلمين، لاسيما النساء المحجبات، فتلك كلها أمور من صميم الحرية والحق الإنساني الذي يتشدق به الغرب صباح مساء.
كما على الغرب أيضاً أن يكف عن دعم الأنظمة الاستبدادية، لتحقيق مصالحه على حساب مصلحة شعوب المنطقة، بل عليه أن يكون عادلاً منصفاً، يتعامل بصدق وإخلاص، ويعلم جيداً أن مصلحته الدائمة في مصلحة الشعوب وليس في مصلحة هذا النظام أو ذاك. وعليه أيضاً الكف عن سياسة الكيل بمكيالين التي لم تعد تنطلي على أحد بعد أن أصبح اليوم الكل يحمل العالم في جيبه، ويتابع ما يحدث في كل شبر منه لحظة بلحظة.
وبالمقابل، أؤكد لهؤلاء الإرهابيين الجهلة أن الكل يمكنه اليوم أن يدخل الجنَّة إلا من أبى، كما أكد رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام؛ فمن أطاعه دخل الجنَّة ومن عصاه فقد أبى. فها هو الشيخ عبد الرحمن السميط، غفر الله له، لم يقتل أحداً ولم يفجر، ومع ذلك أسلم على يديه أحد عشر مليون شخصاً. فكُفوا عن هذا العبث والجنون، وكونوا رسل خير، ساهموا في تعمير الكون، و وظِّفوا قدراتكم لمساعدة الضعفاء والفقراء والمساكين المحتاجين للغذاء والشراب والدواء والكساء والمأوى والتعليم، فهذا أفضل لكم وأعظم أجراً مليون مرة من قتل النفس، خاصة المسلمة، التي زوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتلها ظلماً وعدواناً.
أما عنّا نحن هنا، فلا أجد أفضل من تغريدة لأحد جنودنا الأشاوس المرابطين على حدودنا الجنوبية الذين يذودون عن مقدساتنا ويصونون أعراضنا، لأعيدها عليكم: أجدادنا ماتوا دون الحدود، وعيالهم دون الحدود مرابطين، إن مات جندي فالوطن كله جنود. وأضيف: كلنا اليوم جنود الوطن.