د. عبد الله المعيلي
أكاد أجزم يقينًا أنه ما من أحد إلا ويشكو مر الشكوى من الفوضى التي غدت سمة بارزة، وظاهرة خطيرة، لدى سائقي المركبات، ويتساوى في ذلك سائق السيارة السعودي وغيره من السائقين الوافدين، وتبدو الظاهرة أكثر تحدٍ وبجاحة وقلة حياء لدى سائقي سيارات الأجرة، هذه الفئة من السائقين، لا يأبه بآداب الطريق والوقوف، ولا يأبه بالمارة، يتجاوز غيره كيفما شاء، يقف كما يحلو له لا ينظر لمن خلفه المهم أن يفوز بالراكب، يذرع الطريق يمنة ويسرة في عجلة غير معقولة.
بحثت بين المخالفات عن مخالفة متواترة لدى كل السائقين، مخالفة تستفز المشاعر، وتعوق الحركة المرورية عند الإشارات، فمعلوم أنه عند كل إشارة مسارات ثلاثة وأحيانا أربعة، الكل يقف خلف الآخر حسب أولوية الوصول عند الإشارة، لكن الغالبية لا يعجبه أن يقف خلف من سبقه، لذا يفتح لنفسه مسارًا زائدًا عند الإشارة، على يمين المسارات النظامية، وهكذا يلحق به آخر و آخر حتى يطول هذا المسار المخالف، ويتجلى الاستفزاز والمضايقة عندما تفتح الإشارة فينطلق المخالف بسيارته مضايقا من جاء قبله، يحشر نفسه بالإكراه ليأخذ أولوية اللحاق بالإشارة قبل أن تصير الإشارة حمراء إيذانًا بالتوقف، وهكذا تتعوق الحركة وتزدحم السيارات عند الإشارات بسبب هذه الفئة الأنانية التي لا تستحي، ومما يزيد الحسرة والغيظ، أن رجل المرور واقفا عند الإشارة ويرى المخالفين يتقدمون على من سبقهم، ومع ذلك لا يمنعهم، ولا يأخذ بحقهم أي إجراء عقابي يجعل المخالف لا يكرر التقدم على من سبقه.
من المؤسف أن المخالفات المرورية في تزايد، ومع تزايدها تتزايد آلام الأسر وتتكبد المزيد من الويلات والمعاناة نتيجة الإعاقات المزمنة التي تتمخض عنها تلك المخالفات، فضلا عن الخسائر في الأرواح والأموال، فكم من بيوت أقفلت، وأطفال تيتمت، وأرامل انقطعت بها السبل، مآسي مرعبة، تشهدها شوارع المدن والقرى يوميًا، ومع هذا مازال الناس في غفلة.
ومما يزيد الطين بلة، أن هذه المخالفات المرورية ترسم صورة سلبية عن المجتمع السعودي وتسمه بسمات الفوضى والأنانية، وتدل على ضحالة في المستوى الثقافي والحضاري وأنه مازال يعيش فترة التخلف التي كانت طابع حياته اليومية.
في اليابان يلفت انتباهك ويثير إعجابك واحترامك للشعب الياباني وأنت ترى سائقي السيارات الكل خلف الآخر ولا يفكر البتة في التجاوز حتى لو طالت أعداد السيارات أمامه، والحال نفسها في إندونيسيا، وفي سلطنة عمان يستحيل أن يدخل سائق السيارة الدوار طالما أنه يرى سيارة قادمة من جهة اليسار، شعوب تحترم النظام فنالت إعجاب وتقدير كل من يزور هذه البلدان وغيرها من البلدان الأخرى شرقية كانت أم غربية.
الذي يخشى منه ويخاف، ماذا بعد سن هذه الأنظمة والقوانين الرائعة، فقد جرت العادة أن مثل هذه الأنظمة والقوانين تحظى باهتمام وعناية عند صدورها، ولكن سرعان ما يخبو الاهتمام بها والعناية، وتتنحى شيئا فشيئا عن أولوية الاهتمام والتعامل، ومع توالي الأيام تنسى، ويصنع لها رف تحفظ فيه، وبعد مدة يعلوها التراب داخل الأرفف فتنسى تماما، ومن الأمثلة الحية على هذا، ربط الحزام أثناء قيادة السيارة، كما هو مشاهد درجة الالتزام به صفر.
يجب مواجهة المخالفات المرورية بكل حزم وعزم وصرامة من قبل رجال المرور أولا، وعلى مؤسسات التكوين التربوية والإعلامية وأئمة المساجد تحمل مسؤولياتهم في تثقيف الناس وتوعيتهم بصفة مستدامة بوجوب احترام أنظمة المرور وقوانينه من أجل سلامتهم وأمنهم.