خالد بن حمد المالك
كانت تهابها الدول، وتخشاها القوى الكبرى، وتتودد إليها الكرة الأرضية بشعوبها ودولها، ويسعى الجميع لكسب ودها، وبناء أوثق العلاقات معها، فتحصل الدول من العلاقات معها على مصالح لها وللآخرين، وتتحقق فوائد لكل الأطراف، وتكون للدول الصغرى حليفا يدافع عنها، وقوة تعتمد عليها، فلا تخشى على مصالحها واستقرارها.
* *
كانت أمريكا هكذا، ويل لمن يمس مصالح حلفائها، أو ينال من شعوبها، أو يفكر بالتدخل في شؤونها، أو أن يكون سبباً في فوضى تسود أرضاً تُعَد في عداد الأراضي المحسوبة ضمن ملكية من ترتبط معهم بمصالح مشتركة، فهذه خطوط حمراء، ودوائر لا ينبغي تجاوزها، وإلا فإن أمريكا سوف تتصرف بما تمليه عليها مسؤولياتها نحو حلفائها.
* *
أمريكا لم تعد أمريكا، تغيرت كثيراً، فقد أصبحت لا تتدخل للدفاع عن مصالح حلفائها، بينما ترمي روسيا بكل إمكاناتها السياسية والعسكرية للدفاع عن حلفائها كما تفعل في سوريا ومع إيران، وإن تدخلت أمريكا ففي حدود لا يظهر معها أننا أمام أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، بينما يستغل الآخرون هذا التردد الأمريكي، وهذا الموقف الأمريكي الضعيف، في استعراض قوتهم، وهدم كل ما بنته أمريكا من تحالفات على مدى عقود من الزمن، وإضعاف دورها المستقبلي على مستوى العالم، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، دون أن نفهم لماذا يحدث هذا، ولماذا تسلم أمريكا لروسيا إدارة معارك المنطقة، بما يخالف التاريخ الأمريكي بكل أحداثه وتطوراته.
* *
ما جرى في العراق من تدخل أمريكي رحبنا به، اعتقاداً منا بأن الهدف منه القضاء على صدام حسين ونظامه، وذلك من أجل أن تسود الحرية وحقوق الإنسان لشعب عانى الكثير من حكم نظام البعث، فإذا بنا نكتشف بعد أن طوينا صفحة صدام ونظام البعث، أن أمريكا سلمت الدولة إلى عراقيين ينتمون في عقيدتهم وولائهم لإيران، ويفضلون مصلحتها على مصلحة العراق، وأكثر من ذلك عدم الممانعة في دخول إيران مباشرة على خط التغيير في العراق، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وبشرياً، دون أن تحرك واشنطون ساكناً.
* *
في شأن آخر، أمامنا ما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات، حيث تقف الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج، إن لم تكن الداعم غير المباشر للتدخل الروسي في دعم بقاء بشار الأسد على حساب قتل السوريين، وإزالة المباني والمنشآت، وتحويل المدن السورية إلى مدن مهدمة وبلا خدمات، وصولاً إلى جعل سوريا في نهاية المطاف دولة فاشلة، بينما كان على أمريكا أن توقف المجازر التي يرتكبها الروس والإيرانيون وحزب الله اللبناني وقوات المجرم بشار الأسد.
* *
أما في اليمن فهذه حكاية مأساوية أخرى، فأمريكا التي كان يحسب لصوتها ومواقفها وقراراتها ألف حساب، لم تعد الآن كما كانت من قبل، شاهدوا موقفها مما يجري في اليمن، إنه موقف يتناقض مع ما تدعيه برفض الانقلابات على الأنظمة الشرعية، بدليل موقفها مما يحدث باليمن، حيث انقلاب حوثي -صالح، وهناك قرار من مجلس الأمن يصادق على رفض هذا الانقلاب، ويدعو الانقلابيين إلى الانسحاب من المدن، وتسليم السلاح الذي استولوا عليه، والمال الذي نهبوه، وإلا تعرضوا لعقوبات حددها القرار 2216 ومع هذا فأمريكا لا تفعل شيئاً.
* *
وبعيداً عن ما يمكن أن يقال عن مواقف أمريكا الآن وليس أمريكا التي كانت عندما أتحدث عن الوضع في لبنان، أو أكتب شيئاً عن ليبيا، فأنا لن أضيف جديداً على ذلك، فأمريكا تركت لروسيا وإيران ودول أخرى أدواراً كانت لها، ومنحت الروس - تحديداً - أصدقاء كانوا محسوبين عليها، وتخلت عن سياسات كانت تنفرد بها في منطقتنا، بما في ذلك ما كان يجري في السنوات الخوالي التي كانت هناك قوة كبرى لما كان يسمّى بالاتحاد السوفيتي التي تنافس الولايات المتحدة على مناطق النفوذ.
* *
هل هذا التغير الذي صاحب فترتي حكم أوباما، وقبله زمن حكم بوش الابن، هو بداية للتغيير الأمريكي في سياساتها في المنطقة، أم أنها سياسة مخطط لها من قبل، وماذا يفيد أمريكا أن يكون هذا هو موقفها من الأحداث في المنطقة، ومن أصدقائها وحلفائها، في ظل تنامي التدخل الروسي-الإيراني، ومحاولة كسبهما المزيد من الحلفاء والأصدقاء على حساب علاقات أمريكا بدول المنطقة، وهل سيكون هناك من تغيير في السياسة الأمريكية مع الرئاسة القادمة التي نتمنى أن تطرق أبواب العالم بسياسات جديدة، لا تكون امتداداً لما قبلها، مع أنّ كل شيء جائز وممكن ومتوقع أمريكياً.