د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
رغم أن المنطقة العربية تغطيها صراعات وحروب طائفية، أيضا في نفس الوقت العالم منقسم حول كيفية معالجة القضايا المتبقية على أجندة مفاوضات جولة الدوحة، وعلى جملة من القضايا الجديدة في السنوات المقبلة.
نجد أن الصين والهند وجنوب أفريقيا يؤكدون على الدفع نحو أولويات جولة الدوحة كحرية الوصول إلى الأسواق الزراعية، والحد من الدعم الحكومي المحلي الضخم للزراعة، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وكندا وغيرها، تعرب عن رغبتها في النهوض بالقضايا التجارية الجديدة التي لم تكن ذات وزن كبير قبل عقد من السنين (جولة الدوحة) كالتجارة الإلكترونية، والتجارة الرقمية المتصلتين بالتجارة العالمية في البضائع وحقوق الملكية الفكرية معا، علاوة على القضايا المتعلقة بالاستثمار، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وهناك مجموعة ثالثة تطالب كيف يمكن للاتفاقيات التجارية الحرة الإقليمية أو القارية مثل: اتفاق الشراكة عبر المحيط الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أن تؤثر على النظام التجاري متعدد الأطراف.
السعودية ليست معنية بتلك الخلافات كثيراً، لكنها هي ضمن مجموعة العشرين التي تعتبر المجموعة الأكثر تمثيلا للعالم، ويمكن أن تلعب على وتر الصراع بين الولايات المتحدة وبكين وتستفيد من الجانبين دون الانضمام لأحدهما دون الآخر.
حيث نجد هناك استراتيجية متشددة للصين في التعامل مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، خصوصا عندما سلم الدبلوماسيون الصينيون عندما اجتمعوا في مدينة كونمينج اتفاقاً جماعيا من عشر نقاط يعالج قضايا مثل النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.
وهي مستفيدة من انقسامات آسيان التي منحت بكين انتصارا دبلوماسيا حول بحر الصين الجنوبي المدعومة من كيري وزير خارجية أمريكا عن التصدي بصورة مباشرة للطموحات الجغرافية لثاني قوة اقتصادية في العالم، واكتفت في بيانها في اجتماع لاوس في 12 يوليو 2016، حيث خرج البيان بالحد الأدنى واكتفت الدول الأعضاء في بيانها بالإعراب عن قلقها الشديد حيال المطالب الجغرافية المتنازع عليها بدلا من عبارات استفزازات بكين وعسكرة الجزر الصغيرة المتنازع عليها، بل أبدى كيري أمام نظيره الصيني وانغ يي بالعلاقة الأهم في العالم، حيث تشهد الآسيان التي تقوم ثقافتها الدبلوماسية منذ عام 1967 على التوافق انقساما حول مسألة بحر الصين الجنوبي، حيث تبدي أربع من دولها هي: فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي مطالب منافسة لمطالب الصين، في حين تقف كمبوديا ولاوس وحتى تايلاند مع الصين.
دول الخليج بقيادة السعودية تستثمر ظروفاً عالمية من أجل مسابقة الزمن لمواكبة التطورات الاقتصادية والعلمية في العالم وأن تتحول منطقة الخليج إلى محطة اتصال قارية، فمن خلال المنتدى الخليجي البريطاني يطرح خطى التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط من خلال تطوير الشراكة الاستثمارية وكيفية تطوير آفاق التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خصوصا وأن هناك استثمارات سعودية فقط في بريطانيا تصل إلى 60 مليار جنيه.
هدف دول الخليج الإصلاح الاقتصادي كعامل نجاح في بناء اقتصاد متوازن وقوي وتحقيق نمو مستدام، وأهم عاملي إصلاح في دول الخليج هما: أن تخطو نحو تقليل اعتمادها على البترول والعمالة الخارجية، خصوصا وأن السعودية عدد سكانها 31 مليون نسمة يمثل الشباب دون سن 25 عاما فيها نسبة 49 في المائة، ومن هم دون سن 35 عاما يمثلون 60 في المائة، وسيدخل خلال السنوات الـ15 القادمة نحو 6 ملايين جدد من الشباب السعوديين إلى سوق العمل، وهو ما يعكس الطاقة البشرية الضخمة التي تمتلكها السعودية التي قررت أن تستثمر هذه الطاقات في صالح تطوير الوطن وتأمين العيش الكريم.
حيث تعاني دول الخليج تحديات على رأسها: الأمن الغذائي والأمن المائي إلى جانب تأمين السكن بشكل خاص في السعودية والفرص الوظيفية للأجيال القادمة، حيث يختلف الإصلاح من بلد لآخر، حيث فقدت الولايات المتحدة بين عامي 1999-2011 مليوني وظيفة على الأقل بسبب الارتفاع الهائل في الواردات الصينية، لذلك تعاني الولايات المتحدة نظرا لضيق حيز الحركة المتاح للسياسات من عدة أوجه، حيث يتعين العمل بكفاءة على نشر جميع أدوات الدعم الرئيسية المتعلقة بالسياسات، من السياسات المالية العامة الداعمة للنمو، والسياسات الهيكلية جيدة التسلل، ودعم السياسات النقدية لتثبيت التوقعات الضخمة.
وبعد تعثر توقيع التجارة الحرة بين دول الخليج والاتحاد الأوربي منذ 2008 وسيتم البناء عليه سريعا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وترى بريطانيا أن الاتفاق مع منظومة دول الخليج مكملا للمنظومة التجارية الجديدة لبريطانيا وليس حجر الزاوية فيها.
فإن وزير المالية البريطاني فيليب هاموند سيقوم بجولة خليجية مرتقبة خلال أشهر انطلاقا من الرياض لإقناع دول المنطقة بأهمية الاتفاقية للطرفين مما يعطي دول الخليج قدرة تفاوضية أعلى ويجعلها في مركز قوي.
حيث تعتبر بريطانيا أنه من الأسهل عليها بدء مباحثات مع دول المجلس بدلا عن الصين من منطلق أن توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين سيتطلب خمس سنوات على الأقل، في المقابل هناك تخوف من الصين أن تقوم بإغراق الأسواق البريطانية بالسلع الرخيصة مثل الصلب على سبيل المثال، وهذا التحدي يغيب في حالة مجلس التعاون الخليجي رغم تواضع التجارة البينية التي تبلغ 22 مليار جنيه، ولكنه يمثل نقلة نوعية في آفاق التعاون الثنائي، وتدشين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي.
السعودية مقبلة على تقدم صناعي، ولديها طموح مشروع في ريادة العالم يخدمها موقعها الاستراتيجي واستغلالها للتقدم الصناعي الذي حققته في قطاع البتروكيماويات وهي تمتلك كل مقومات التنافسية في هذا القطاع خصوصا، وهي مزمعة على تحويله من صناعات أساسية إلى صناعات وسيطة ونهائية، وتوقيع مثل تلك الاتفاقيات يحررها من سلاح الإغراق الذي تتبعه الدول لحماية منتجاتها الصناعية وهو سلاح ذو حدين تستخدمه الدول الكبرى.
السعودية تستلهم التجربة الألمانية في الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة، وشركة أرامكو بصدد إنشاء مدينة الطاقة الصناعية، حيث يبلغ حاليا مبيعات الصناعة في السعودية 627 مليار ريال لأكثر من 1800 مصنعا وباستثمارات تبلغ أكثر من تريليون ريال لعام 2015.
الاقتصاد في النهاية هو الذي يعيد تشكيل العلاقات للخروج من العهد النفطي ومن إدارة الثروة إلى إدراك الثروة التي تبني الطاقة العلمية والقدرة الاقتصادية والكفاءة الاتصالية وبناء مؤسسات أكثر كفاءة، وإعادة هيكلة قطاعات للخدمات والصناعة، التي تحقق دخولا تفوق مداخيل النفط، واستخدامها في تحقيق التقدم واللحاق بدول كثيرة، وعندها لن يسقط الاقتصاد الريعي فحسب وإنما سوف ينتهي عهد الفوضى.