سعود عبدالعزيز الجنيدل
صادفت من سوء حظي فكرًا غريبًا، فكرًا ليس مرتبطاً بزمن معين، أو حقبة ما، كما أنه لا يحمل جنسية واحدة. في هذا المقال سأسلط الضوء على هذا الفكر، من خلال ضرب مثالين اثنين.
بين الفينة والأخرى يخرج أحد الأشخاص، ليلقي بكل دلائه الفارغة، ليقدم النصيحة الثمينة، التي لم يسبقه إليها أحد! والعجيب كل العجب أن هذا الشخص أضل من حمار أهله في العلم الذي ينصح به. فهو متخصص فقط بالأمور الدينية، وهذا التخصص -كما يعتقد- يخول له التكلم في شتى العلوم، وبطبيعة الحال، فهو السياسي المخضرم، والطبيب البارع، وعالم النفس، وعالم الاجتماع...!
دعوني أعطي لكم مثالين، من الأمثلة التي تمثل فكر هذه النوعية:
المثال الأول:
تسابق العالم أجمع إلى استنكار الهجمات الإرهابية التي وقعت في بلجيكا، 22 مارس 2016م, حيث أصدرت أغلب الدول بيانات تستنكر وتستهجن هذه الهجمات الإرهابية التي لا تنتمي ولا تنبع من دين سماوي، بل هي فكر مريض مهووس، ومتعطش للدماء.
وفي مملكة الإنسانية صدرت بيانات الاستنكار والاستهجان، وأن الدين الإسلامي بريء منها، وكذلك أصدرت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بياناً تستنكر هذه الهجمات، وكذلك قام المسؤولون عن برج المملكة بإضاءة علم بلجيكا تضامناً معهم، وأعتقد أن كل من يملك ذرة إنسانية سيستنكر هذه الهجمات، وسيقف مع المعتدى عليهم، لكن هذا العالم الفذ، أطلق تغريدة يقول فيها:» تسارع المنافقين لإرضاء أعداء الأمة والملة، داء قديم، يتجدد عند كل أزمة «فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة»...!!!.
إذن ما الذي يريده منا هذا العالم الفذ؟ هل يريدنا أن نفرح بهذه الهجمات الإرهابية؟ أم يريدنا أن نعيش معزولين عن العالم؟ وكأنّ العالم لا يعنينا؟
ولو رجعتُ للتغريدة لتحتم علي طرح سؤال له:
من هم المنافقون؟
لأن الكل استنكر هذه الهجمات بدءاً من حكومة خادم الحرمين الشريفين، ومرورًا بهيئة كبار العلماء، ووصولا لمعظم الشعب السعودي.
إذن من المنافقون!؟.
المثال الثاني:
مع أنه صدر من شخصية يحمل جنسية أخرى إلا أن الفكر ذاته موجود عنده، فهذا الفكر لا يحده زمان ولا مكان، فقد خرج لنا عالم فذ آخر، وأصدر حكماً بتكفير مسلم، وهذا المسلم هو العالم المصري العالمي البرفيسور أحمد زويل- رحمه الله- فقال عنه إنه كافر، يجوز لعنه، ولا يجوز الترحم عليه، ومن يترحم عليه فهو آثم!! وأكاد أجزم أن الكل يتفق معي أن الفرق شاسع بين العالم أحمد زويل- رحمه الله- وهذا الرجل، وأن المسافة بينهما بعد المشرق عن المغرب، فهل صادف أن شاهدتم الثريا( أحمد زويل) قريبة من الثرى (هذا الرجل)؟.
كما أعلم يقينا أن جينًا واحد من جينات العالم أحمد زويل -رحمه الله- تعادل قامة هذا الرجل من رأسه حتى أخمص قدميه.
أعرف تماما أن تكفير المسلمين طامة كبرى، وهذا الأمر لا يقوله شخص عاقل، ولكن هذا الفكر الموجود عندهم قديما، وحديثا- لعلي أخصص مقالات أخرى لتبيين ذلك قديما- وردًا على هذا الكلام فقد ندد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية بهذه الحملات الجاهلة، والناقصة، التي يقولها مثل هؤلاء.
هذان المثالان يدلان وبوضوح على تفشي هذا الفكر المريض، الذي دأب، ويدأب على محاولة عزلنا عن العالم، وجعلنا في مصاف الدول المتخلفة، وكل ما يريده هو العيش والتغني بأمجاد المسلمين قديما، وهذه بلا شك هي عقدة النوستالجيا التي يعاني منها هؤلاء.
ودمتم...