الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
وصف وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية د. إبراهيم بن قاسم الميمن التصورات المغلوطة عن المعاهد العلمية بأنها لم تواكب العصر الحديث هي في حقيقتها تصورات خاطئة.
وأكّد د. إبراهيم الميمن في حواره مع « الجزيرة « أنّ الجامعة تعيد النظر وبشكل مستمر في استراتيجيات وبرامج تعزيز الأمن الفكري في المعاهد العلمية بما يتناسب مع متغيرات الإعلام الجديد، مشيراً إلى أهمية دور المؤسسات التعليمية في التوسع في غرس مفهوم الوسطية وتعزيزه في نفوس الناشئة.
وكشف د. الميمن أن وكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية ماضية في التوسع في افتتاح المعاهد العلمية نظراً للإقبال المتزايد عليها في نشر وتحقيق رسالتها وأهدافها وتميّزها.
كما تناول الحوار عدداً من الموضوعات المتعلقة بأعمال ومناشط المعاهد العلمية، وفيما يلي نصّ الحوار:
* هل كشفتم بلغة الأرقام عن عدد المعاهد العلمية بالمملكة، والطلاب الدارسين فيها؟
- الجامعة ممثلة بوكالتها لشؤون المعاهد العلمية حريصة كل الحرص على توثيق جميع إجراءاتها بناءً على إحصائيات وخطط علمية مقرة ومدروسة تنبثق من مجلس الجامعة الموقر، وتطبق في الميدان التربوي، ومن خلال هذه الخطط نستطيع أن نرسل رسائلنا التربوية للمعاهد المنتشرة في كافة مناطق المملكة والتي يبلغ عددها (67) معهداً يدرس فيها ما يقارب العشرين ألف طالب، وبدون هذه الإحصائيات فإننا لن نستطيع أن نرسم القراءة المستقبلية للمعاهد العلمية.
* كنتم من أوائل القطاعات التعليمية التي بدأت في تحصين طلابها من الغلو والتطرف والانحرافات الفكرية، وذلك من خلال مشروع (الانتماء)، ترى بماذا خرجتم بعد تنفيذ المشروع في كافة مناطق المملكة؟
- تفخر الجامعة بأنها ومن خلال وحداتها ركزت على المعالجات الفكرية والبرامج التحصينية منذ وقت مبكر وذلك عبر جهود لا تنحو منحى ردود الأفعال وإنما من خلال رؤية رسمتها، منتهجة الأساليب العلمية، والطرق المتنوعة للوصول إلى الهدف، معتمدة على هويتها، ورؤيتها، ورسالتها، وخبراتها التراكمية في هذا المجال لكونها جامعة ركزت على علوم الشريعة وما يخدمها من علوم اللغة العربية وتوسعت في جميع تخصصاتها، وقدمت للوطن وللعالم الإسلامي والمسلمين في كل أقطار العالم مخرجات نوعية، ولهذا فإن أعمالها وجهودها من خلال وحداتها عامة والمعاهد العلمية بخاصة غدت أنموذجا يحتذى به من جهات متعددة، ولا شك أن نجاحها في هذا المجال كان بتوفيق الله - جل وعلا - ثم بما حصل من دعم ومساندة ومؤازرة من ولاة أمرنا - حفظهم الله - وعلى رأسهم خادم الحرمين الشرفين وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد، ومن وزارة التعليم، ثم بقيادة واعية من إدارة الجامعة ممثلة بمعالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل إذ لم تراقب التنفيذ عن بعد، وإنما كانت جزءا منه، وعمل الجميع بروح الفريق الواحد، وتنوعت الأساليب المتبعة للوصول إلى الهدف، فما بين مؤتمرات لم تكن عناوينا براقة أو مزايدات إعلامية، وإنما كانت معالجات تخصصية تستدعى فيها الخبرات التي ركزت على القضايا الكبرى في الأمن الفكري (الجماعة والإمامة) الوحدة الوطنية، المنهج السلفي، الإرهاب وعوامله، التكفير أسبابه ومظاهره وآثاره، الانتماء الوطني، الجماعات والفرق، وغيرها من العناوين التي لم تكن تنفذ كتظاهرة علمية، وإنما مجموعة من الفعاليات الممتدة التي تعم بلادنا الغالية من خلال هذه المعاهد التي هي روافد للجامعة فيتم فيها فعاليات مصغرة يدعى إليها المهتمون والمتخصصون وأبناء المحافظات، وسعت جاهدة إلى تحصين الطلاب فكريا وسلوكيا من هذا الداء الخطير الذي تحققت معه -ولله الحمد - الأهداف المنشودة من هذا البرامج من خلال زرع قيم المواطنة في نفوس أبنائنا الطلاب وتوعية الناشئة بضرورة المحافظة على مرافق الوطن باعتبارها ملكا للجميع، وثروة وطنية، وكذلك تطوير مهارات المشاركة والقيام بأنشطة إيجابية تسهم في اكتشاف ميول الطلاب وتعزز فيهم الولاء الصادق لله ثم الدين والوطن من خلال البرامج والأنشطة المتنوعة الصفية وغير الصفية، وتنمية مهارات اتخاذ القرار والحوار واحترام الحقوق والواجبات.
* لا تزال هناك بعض المفاهيم المغلوطة عن المعاهد ورسالتها الشرعية، وذلك بعدم مواكبتها لعلوم العصر الحديث فما أسباب ذلك؟
- نحن في المعاهد العلمية لا ندعي الكمال ولكننا جادون في تحقيقه والوصول إلى أعلى درجات المقاييس العلمية في التطوير والجودة، والمعاهد العلمية ومنذ عام 1370هـ حين وجه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه -سماحة مفتي الديار السعودية في وقتها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - بافتتاح معهد الرياض العلمي بسبب زيادة الإقبال على تلقي العلم الشرعي وإلى الآن وهي بحمد الله تقوم بوظيفتها على أكمل وجه في تربية الناشئة تربية إسلامية تساعدهم على تكوين شخصياتهم في الحياة، وتزويدهم بما يحتاجون إليه من علوم وفنون بما يخدم مهارتهم ونموهم العقلي والخلقي، ليكونوا قادرين على تحصين أنفسهم والمشاركة في تنمية وطنهم.
إننا وكأي مؤسسة حكومية نواجه تحديات كبيرة في سبيل النهوض ببرامجنا وخططنا ومن المعروف أن قوة المنهج والخطط الدراسية هي من أهم المعايير التي ينظر إليها عند التقدم لتقييم المستوى العلمي للمنشأة التعليمية، لذا فنحن في الوكالة مهتمون جدا في هذا الشأن، ولدينا إدارة عامة تعنى بتطوير الخطط والمناهج التي تسعى لتحديث وتطوير المعاهد بشكل دوري ومستمر، بحيث تكون مواكبة للتطور العلمي ومتطلبات سوق العمل، ووضع المعايير اللازمة للتأكد من تطبيق الخطة الدراسية ومفردات المناهج ومخرجاتها.
لقد سعت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة بوكالتها لشؤون المعاهد العلمية إلى تطوير الخطط والمناهج بما يحقق تطلعات المسؤولين، وبما يحقق أهداف وسمات الجامعة والمعاهد العلمية.
إن كل التصورات المغلوطة التي تصور المعاهد العلمية لم تواكب العصر الحديث هي في حقيقتها تصورات خاطئة، ولم تطلع على الخطط والمناهج في المعاهد العلمية والنقلة النوعية التي واكبت المعاهد العلمية من إدخال للمواد العلمية والحاسب والتربية البدنية مع العناية والرعاية التامة بالمواد الشرعية بالإضافة إلى اللغة العربية، ولذا فنحن دائماً ما نستشرف المستقبل بتأصيل الثوابت.
* الجماعات المتطرفة تجند الشباب عبر وسائل التواصل الحديثة، كيف نواجه تلك الظاهرة؟
- لاشك في هذا الخطر الداهم الذي لا يسع أحداً أن يقف متفرجاً أو أن يكون سلبياً فهو خطر يهدد الجميع ،وجامعة الإمام محمد بن سعود من أول الجامعات التي أدركت هذا الخطر وسخرت كل إمكاناتها لبيان أضراره وأخطاره على الفرد والمجتمع، وكما ذكرت سابقاً أن مواجهة هذا الخطر لم يكن عملاً فردياً أو بردود أفعال وإنما برؤية اعتمدت فيها الجامعة على خبراتها وهويتها ورسالتها، وتوالت الجهود، حتى توجت بصدور الأمر السامي الكريم بإنشاء وحدة التوعية الفكرية كوحدة رئيسة تشرف على المناشط والفعاليات والبرامج التي لها علاقة بالأمن الفكري وتواجه الدعايات المضللة من جماعة الفكر الضال والتطرف بحيث تكون مخرجات هذه الوحدة من خلال تفاعل وتكامل كافة الوحدات التي تصب في حماية أبنائنا وبناتنا من أفكار وخطر هذه الجماعات التي تنتهج الغلو والتكفير وتنتهي بإزهاق الأرواح البريئة، وها هي هذه الوحدة تتفاعل في هذا الوقت بقيادة معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل من خلال لجنة عليا، رسمت برامج وفعاليات ومناشط ستعمم على كافة وحدات الجامعة، وبالأساليب المباشرة وغير المباشرة وصولاً إلى تحصين أبنائنا الطلاب من كل فكر دخيل، ولا يخفى على عاقل أن الجماعات المتطرفة تحاول الوصول إلى أبنائنا الشباب بكل الطرق والوسائل المتاحة، لذا نحن نعيد النظر وبشكل مستمر في إستراتيجيات وبرامج تعزيز الأمن الفكري في معاهدنا العلمية بما يتناسب مع متغيرات الإعلام الجديد، وعصر الإنترنت، وسرعة نقل المعلومات، والعالم الافتراضي الذي يعيشه الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، وما نتج عنه من تغيير لأفكار بعضهم وسلوكياتهم نحو العنف والتشدد والغلو في الدين، وهو ما انعكس سلباً على دينهم وأنفسهم ووطنهم، فنحن في معاهدنا العلمية نؤمن إيماناً كاملاً بدورنا الجوهري والمحوري في التصدي لهده الجماعات.
إننا جادون في بناء منظومة الأمن الفكري في المناهج التعليمية، كمفهوم يجب أن يكرّس في أذهان الناشئة منذ وقت مبكر، وبالتأكيد على أن نستند على هذه الرؤية على ما تمليه الثوابت الدينية، إذ يقع على زملائنا في الميدان التربوي العبء الكبير في تبصير أبنائنا الطلاب بالأخطار المحدقة بهم من لصوص شبكات التواصل الاجتماعي.
إن وضع الخطط التربوية لتجفيف منابع الفكر الضال، ليست بهذه السهولة والسرعة، إذ يجب علينا تأهيل المعلمين وهذا ما سعت الوكالة إلى تحقيقه عبر برامجها في تحقيق الأمن الفكري في معاهدها العلمية ومدارس التعليم العام من خلال ملتقى برنامج أثر المعلم والمعلمة في تحقيق الأمن الفكري، والذي يحظى برعاية من أصحاب السمو أمراء المناطق في وطننا الغالي، ومن ثم العمل على إعادة صياغة المقررات الدراسية لتتناسب مع المرحلة التي تعيشها بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية من انتصارات أبهرت العالم في مكافحة الفكر الضال على مستوى وزارة الداخلية وكذلك على مستوى الأفراد.
* كيف ترى دور المؤسسات التعليمية تحديدا في نشر الوسطية وتصحيح المفاهيم؟
- الواقع أننا إذا غرسنا في نفوس أبنائنا الطلاب فهم الوسطية في الإسلام فهما سليما شاملا، ثم دققنا النظر في جزئياتها، ودرسناها كلا على حدة، لوجدنا أنها تشمل الحياة في كل جوانبها ومعانيها، وأنها تترك آثارها في نفسية المسلم الحق، فيشعر دائما بالعزة بالله من جانب، والتواضع والانقياد له من الجانب الآخر، وتشكل مفاهيم الوسطية غرساً يحقق جوانب الحصانة من كل انحراف، وجزءاً من مقومات المواطنة الصالحة والتكوين الشخصي، وبالتالي فهي تترك آثارها في الفرد والمجتمع فضلا عما كونته هذه الوسطية للأمة الإسلامية من أهمية في البشرية كافة، حيث استقطبت المواهب والكفاءات والخبرات، ووظفتها للنفع العام الذي وجه الإسلام إليه، وهذا بلا شك يجعل دور المؤسسات التعليمية مهماً ورئيساً في التوسع في غرس هذا المفهوم وتعزيزه في نفوس الناشئة، ونحن في المعاهد العلمية نسعى جاهدين إلى بث هذا الاعتدال في مناهجنا وأنشطتنا بشكل مكثف ومستمر وذلك من خلال غرس الإيمان الصحيح بالله تعالى ورسوله في نفوسهم، وتعزيز الحب والولاء لقادة هذه البلاد المباركة، وتربية الناشئة على المعتقد الحق ومنهج الوسطية والاعتدال، ونأمل من هذا التأصيل - أعني الوسطية - إلى إخراج جيل واع بحقوقه وواجباته وآلية تعامله مع الآخر المخالف، عبر الحوار البناء المثمر الذي يقودنا إلى وحدة الصف والكلمة.
* ما الجديد لديكم ولم نعلم بعد؟
- لا شك أن الجديد طموح، وأننا نستشعر دائماً في جميع خططنا وبرامجنا مستقبل ورؤية المملكة العربية السعودية 2030 وبتوجيه من معالي وزير التعليم، ومتابعة وحرص من مدير الجامعة الذي دائماً ما يستحثنا على التطوير والتجديد بما يتوافق مع هذه الرؤية ويحقق طموحات ولاة الأمر - حفظهم الله - في حماية عقول أبنائنا الطلاب، وكما أسلفنا نحن ماضون في تكثيف برامج التحصين والوقاية من خلال برامج التوعية الفكرية التي تنظمها الجامعة، وكذلك من خلال برنامج الأمن الفكري.
نحن نستهدف بناء وإعداد طلابنا للمرحلة القادمة، والفكر الذي يبني هذا الطالب يحتاج إلى مراجعة ليكون أبناؤنا الطلاب على وعي وإدراك بكل ما يدور ويحاك حولهم، إننا نسعى إلى تحقيق رؤية تستشرف المستقبل، بمناهج أكثر مرونة وشمولية، معتمدة على منجزات العصر الفكرية والعلمية والتقنية، ومتمسكة بالثوابت الدينية والوطنية، إن عملية بناء الطالب عملية صعبة وطويلة لتأثرها بالمتغيرات من حولها، إنها تحتاج إلى صبر وتعاون وتكاتف من جميع الجهات، كما أنها تحتاج إلى عمل مخطط ومنظم.
إن وكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية ماضية - بإذن الله - في التوسع في افتتاح المعاهد العلمية نظرا للإقبال المتزايد عليها في نشر وتحقيق رسالتها وأهدافها وتميزها، مما يضمن لنا الصدارة بين قطاعات التعليم العام، وما تفوق معاهدنا العلمية في اختبارات المركز الوطني للقياس والتقويم على مستوى المملكة ولأعوام متتالية إلا شاهد على ما يتمتع به أبناء المعاهد العلمية من حصيلة علمية وتربوية تؤهلهم للمرحلة الجامعية ولميدان العمل.