د. حمزة السالم
عنوان المقالة يحمل تهمة قاسية، لا تُطلق عبثا بلا دليل قوي، وبما أن عمل ماكنزي هو التنظير، والتهمة تُهمة تنظيرية، فالدليل لا بد وأن يكون تنظيريا.
أما التهمة التطبيقية العملية على فشل ماكنزي، فهي تهمة عملية يتبعها آثار تطبيقية، لذلك فهي تهمة لا تُطلق إلا بدليل واقعي. وهذا لا يعني عدم وجود الدليل التطبيقي، فالدليل العملي موجود عندي مُثبت من دراسات لها، وفيه اتهام ماكنزي بما هو أبعد من الفشل، فهو يتهمها في مصداقيتها وأمانتها. ولكن موضوعه مما يجب أن يكون مسكوتا عنه لمن هو دون ولي الأمر. وتجاوز ذلك لا يجوز ولا يصح، لأسباب أدبية وحقوقية ومهنية وصحفية.
ولكون أن عمل ماكنزي لا يتعدى التنظير، قد يلتبس معناه على الكثير. فما لا يسبقه تنظير، لن يلحقه تطبيق. ومن هنا دخلت علينا ماكنزي، وبحجة تنظيرية وهي دعوى تجنب الارتجالية في التطبيق.
وتتلخص حيثيات اتهام ماكنزي بحتمية فشلها في السعودية في أن طريقتها في التنظير لا يُقدم لنا حلولا مناسبة لنا لكي نصل للنتيجة الصالحة لنا. فتنظيرها هو مجرد تقليد محض لنفس تنظير خطوات الطريق الطويل الشاق وأدواته الذي سلكته أمريكا وغيرها لتحقيق النتائج الحضارية التي أرادوها هم والتي أوصلتهم لقمة التقدم الحضاري، وليس بالضرورة للنتائج التي نريدها نحن، والتي ستلحقنا بركب التقدم.
إن تنظير ماكنزي وأشباهها، هو تنظير إعادة تدوير العجلة، لا تنظير البدء من حيث انتهى الآخرون. فالأول تقليد فاشل والثاني ابتكار أو تطوير رائع. وتنظير ماكينزي خاطئ، كذلك، في تفريعاته. فتشابه الوعورة والصعوبة والمشقة المتواجدة في طريق الجبل وفي درب الصحراء، لا يلزم منه تشابه العجلة والمركبة، فلكل طريق عجلات تناسبه. كما أنه لا يستلزم نفس النهاية. فنهاية طريق الجبل تختلف عن نهاية درب الصحراء.
وما الأدوات التي استخدمتها أمريكا وغيرها، والتي تقدمها لنا ماكينزي بعد أن اهترأت وترقعت، تصلح أو تخدم الذي نريد. فمحراث المزرعة لا ينفع، محل فأس الحطاب. فلكل منهما له غرض ينشده صاحبه وهدف يرجوه، مختلف عن غرض الآخر وهدفه.
وثم أني أسألكم بالله، هل رأى أحد دراسة لماكنزي أو أشباهها تحتوي على بحث للفروقات في الوسائل والنتائج بيننا وبين ما هو مطبق في أمريكا الذي ينقلونه لنا لتطبيقه، أو ذكرت دراسة ما أي فروق في أثر النتيجة، بافتراض أننا حققناها؟
وأما الأدلة على التهمة المذكورة فهي ظاهرة كثيرة في كل دراسات القص واللصق التي قدمتها ماكنزي لنا. وإني لأبحث عن أي شخص وجد شيئا في دراساتها المزخرفة، يختلف عما يُدرس في جامعتنا من تفصيلات النظريات الكلية، والتي ندرسها بطريقة تلقينية خالية من أي فهم لخلفيات وسائلها ونتائجها.
فمن النصح بفرض الضرائب إلى إلغاء الإعانات التي نسختها ماكنزي من صندوق النقد وغيره، دون تمييز للفروق في السبب وفي النتيجة، إلى تنظيرات التمويلات وضماناتها وتوفير السيولة، والتي نسختها حرفيا من الكتب الأكاديمية وصفحات الانترنت، إلى النظرة الكلية المُجمعة من أحلام كتاب الصحف وآمالهم وآرائهم، إلى غيرها مما لا يمكن الحديث به. كلها أدلة واضحة بينة على التُهمة وحيثياتها.
وماكنزي لا يخفى عليها أن ما تقدمه من عبث ليس إلا زخرفا من القول، قد قُلد تقليدا رخيصا لخلوه من أمانة النقل. فتراها تَبُث في ثنايا دراساتها هنا وهناك، متطلبات لتجاوز الطريق، واستثناءات لمجال صلاحيات عمل الأدوات. وهذا في اعتقادي، وبناء على خبرة سابقة، ليس أمانة منها، وإلا لأظهرته فهو بؤرة المشكلة. ولو أظهرته لبطل تنظيرها المُقلد الرخيص. إنما هو تحوط منها لتجنب محاكمتها قضائيا أو سياسيا عند قومها، وتجنب سقوطها مهنيا وإعلاميا، عندما يثبت فشلها ويتحقق. ولينتهي فشلها بإلقاء اللوم على المهنية السعودية ومقدرتها العملية.
ولا أبرئ نفسي وقومي من تدني المهنية العملية، ولكن إن كان من ذنب، فهو اليوم يقع على البهرجة الماكنزية التي أعمت كثيرا من البصائر وصرفتهم عن الإبداعات السعودية الوطنية المخلصة التي استيقظت اليوم، فأتت بحلول ابتكارية وبأيسر الطرق المناسبة للواقع وبأبسط الأدوات الملائمة للمهنيات المتوفرة. ابتكارات وطنية بمستويات عالمية، لتحقيق النتائج المناسبة بنا التي نريد للوصول بها للقمة دون إعادة تدوير العجلة، ودون دفع الكلفة الباهظة التي دفعتها تجارب تلك المجتمعات، ودون تخبط محراث المزارع في حطب الحطاب.
أُحبطت الكفاءات الوطنية حتى أيست، فجلست متوجسة تحمل هم إضاءة الشمعة بعد انتهاء العرض السيركي الماكنزي الحزين. فسيرك ماكينزي سيُطفأ ما كان لنا من سراج ومصباح، ثم يشد رحاله عنا ليُهرج عند قوم آخرين،. وما العجب، فما أتانا إلا من بعد أن هرج عند آخرين، فلما عبسوا وتجهموا، تبرأ منهم ورمى اللوم على مزاجهم الغليظ.