فهد بن جليد
ولد محمد في بلدة أردنية صغيرة تُدعى قَم - بفتح القاف - يشتغل أهلها بالزراعة والفلاحة، لأبوين جاهدا كثيراً في تربية 6 أولاد (هو الثاني في الترتيب) بطريقة تختلف عن باقي أهل البلدة الذين لا يعترفون بالشهادت مُقابل العمل، بينما حُلم الأب الذي كان (مُعلم صناعة) يخرج من الصباح حتى المساء، أن يحصل أبناؤه على الشهادات العلمية، بمعاونة والدتهم التي تفرّغت تماماً لتربيتهم، ولكن هذا الصغير لم يكن كبقية أقرانه؟!
فقد بدت عليه مُنذ الطفولة علامات خاصة، كثرة الحركة، حب القراءة، تصدر المشهد للحديث، الإطلاع، كان شغوفاً بمعرفة أخبار القادمين من خارج القرية؟ يسألهم عن الفضاء الوسيع وكيف يعيش الناس في الخارج؟ وكأنه ينتظر اليوم الذي يخرج فيه من أسوار القرية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الـ2000 نسمة، وبالفعل حان وقت الرحيل بعد الثانوية العامة؟ وكانت المفاجأة بأن والد محمد قد حدد مصيره واختار تخصصه (الهندسة المدنية)؟ رغم الظروف المادية الصعبة للأسرة؟!
يقول محمد دخلت الجامعة ولم يدر بخلدي يوماً بأنني سأصبح مُهندساً كما يحلم أبي؟ فقد كنت شاباً ثائراً على كل شيء؟ أحب الأدب والشعر، ولا أعير (المنقلة والفرجار) أي أهتمام، أدواتي هي قصائد لطالما سخر منها أقراني وأصدقائي وأهلي وكل مَن حولي؟ على طريقة (الشعر ما بيطعميش خبز، فُكك من الهحكي، هيّ هم الشعراء حولك صعاليك بيشحتوا مش قادرين يصرفوا على أولادهم).. وكانت هذه الكلمات مُحبطة، وزاد الأمر تعقيداً تلك (المصاريف) التي أثقلت كاهل والدي لتحقيق حلم الهندسة؟!
مرت الأيام وبالفعل تخرَّج (المهندس محمد) وكبر شعره معه، ولكن لا أحد يريد أن يعترف بشاعريته حتى أقرب الناس إليه؟ في هذه الأثناء حصل على عقد عمل في الإمارات العربية المتحدة وسافر كي يساعد والده لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وبعد عدت سنوات عاد إلى الأردن!
فجأة شعر بالإحباط وضياع الهوية العربية نتيجة الظروف المُحيطة، وقرَّر ترك الهندسة، بل ترك بلاد العرب برمّتها، والهجرة إلى (فرنسا) لشق طريق آخر لتحقيق النجاح؟!
غداً نكمل، وعلى دروب الخير نلتقي.