لو أمعنا النظر حولنا، سنجد الجميع يبحث عن شيء يعرف ماهيته وربما لا يعرفه، لكن هو متأكد أنه موجود بين ركام الدنيا، إنه أمل لفكرة استدامة السعادة، وهي منقذة لتشبع نهمه وتسد رمق تفكيره، أي كالترياق المخدر الجميل، لكن مع الأسف لا يزال شغف البحث في استمرار كلظى العطشى لبلوغ أوج الارتواء.
فالتائهون صنفان، فالأول من يبحث عن السعادة في القنوات الرياضية بإفراط، حتى تنقضي عقود من سنوات عمرهم أمام الشاشة، والصنف الثاني الحداثيون الإلكترونيون، وهم مدمنو وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعه وألوانه، ومع الأسف نجد أن معظمهم ضحايا للسمنة والكسل والأمراض والبطالة.
بعدهم الهاربون، ويبحثون عن السعادة بين زحمة الأفلام، فلعل وعسى يجد أحدهم الخلاص من خلال بطل ينقذ المظلومين وينقذه معهم، أو من تعلق بعقله صورة حسناء تلقمه لقمة مؤقتة تكفيه وتعوضه عن واقعه المأساوي إلى صباح اليوم الجديد، فيعود مرة أخرى في اليوم الثاني ليبحث عن حسناء أخرى في فيلم آخر، وهكذا دواليك.
أما الصنف الأخير فهي تشمل مجموعة المتدينّون والسياسيون والمفكرون والمثقفون والمغامرون والبطونيون، فكل هؤلاء يغوصون في أعماق بحر عميق لجي، قد يختلف مدى العمق والملوحة من واحد لآخر باختلاف مسيرة البحث عن السعادة، فالسياسي مستمر في البحث عن هدف السياسة «خير أم شر»، والمتدين والمثقف والمفكر يبحثون عن الحقيقة المطلقة؟ والمغامر يبحث عن شيء يشغل فكره ليواصل تفكيره كدوران القمر حول الشمس، أو كيف تصطاد اللبوة الغزال، ليخبر زوجته أن أنثى الحيوان أنفع من أنثى الإنسان، وأما البطونيون، أي مدمني «الأكل» فيواصلون البحث عن السعادة لمعرفة أيهما ألذ نهماً وشبعاً، الكبسة الخليجية أو المسالا الهندية.
الحقيقة التي تخجل حتى الشيطان كما قال أرسطو، الكل ينطبق عليه برغماتي في الحياة، أي لا مبدئية في نقطة الانطلاق ولا هدف لنقطة الوصول، إذا العملية عشوائية أينما أصابت ففتح، سواء الكرة أو السياسة أو المطبخ أو الشاعر الفائز، وتبقى الحياة مستمرة في حالة دوران حتى ينتهي الأجل ويبقى الأمل لجيل جديد يواصل عادة البحث عن السعادة، لكن بدون خريطة!