حينما نرى التطوُّر والنمو الهائل للشركات المتعددة الجنسيات، ونقارن بين عمرها القصير الذي يرجع إلى أقل من مائة عام، أي بعد الحرب العالمية الثانية, نوقن ونتأكد من أن فن التفاوض عبر اختلاف الثقافات يُعتبر ركيزة مهمة ووسيلة دعم أساسية لنمو مثل تلك الشركات بشكل ضخم ومهول، وانتشارها بأقطار هذا العالم كافة الذي يبدو صغيرًا جدًّا ومتقاربًا بعد ما يسمى بالعولمة. ويرجع كل هذا الانتشار والتوسع إلى وجود أشخاص يملكون حسًّا قويًّا في معرفة كيفية التفاوض، والوصول إلى اتفاقيات لتنمية شركاتهم وتوسعتها وزيادة خطوط إنتاجهم؛ لتتناسب صادراتهم مع المتطلبات الإنسانية كافة بكل متغيراتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية، والسعي إلى دمج الكماليات بالحاجات لدى المستهلك؛ لتتناسب مع منتجاتهم. فبالتأكيد إن مثل هذه المنهجية وتسيير المستهلك إلى استهلاك مثل تلك المنتجات يرجع إلى وجود اتفاقيات عظيمة لفتح باب الإنتاج والتصدير إلى البلد المراد به من حيث عمل مفاوضات تخدم الطرفين، وإن كان الطرف الأول هو المستفيد الأكبر فإن الطرف المستهلك أو المعني بالمستهلك يطمح إلى الحصول على ميزات إزاء عقد هذه الاتفاقية. يوجد الكثير من أساليب التفاوض بالمنشآت الكبيرة, وهذه الأساليب تختلف عبر ثقافات البلدان. هناك بعض الثقافات تميل إلى التواصل غير المباشر، وتبني سلوكياتها الخاصة في التفاوض, والبعض الآخر يهتم بمشاركة المعلومات، والحصول على مخرجات فعَّالة من المفاوضة. فمثلاً لدينا بالمنطقة العربية تكون عملية التفاوض غالبًا عن طريق الإقناع بمناشدة العاطفة، وذلك بتقديم تنازلات بجميع مراحل التفاوض, وتكون بطلب من أحد الأطراف المعنية. أما أصحاب الشركات أو المعنيون بالمستهلك فبعض الدول تقوم على أساس استقطاب تلك العلامات التجارية إلى بلدانها بكل ما تستطيع من قوة، إما اقتصادية أو خلق قوة شرائية. وببعض الثقافات الأوروبية قد تسعى بعض الدول إلى تجنيس البعض من كبار ملاك الشركات، وكذلك إعطاء صلاحيات لبناء منشآتهم، وتخفيض معدل الضرائب السنوية. وفي بعض الأحيان تلجأ بعض الدول إلى إلغاء تلك الضرائب، والعمل على إعطاء ميزات إضافية للعمل على بقاء تلك الشركات على وفاق دائم معها.
وأخيرًا, تلعب المفاوضة دورًا كبيرًا في مدى استطاعة المنظمات التجارية على المنافسة، والبقاء في القمة، وتتحدى أيًّا من المتغيرات التي تواجها إما ديموغرافيًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا؛ لأن هذا يعود لوجود أساليب متنوعة ومعرفية واسعة في مجال التفاوض، والوصول إلى حلول تتناسب مع وضعها في تلك الفترة الراهنة؛ لضمان بقائها في القمة، وعدم تأثرها داخليًّا وخارجيًّا بالمتغيرات الخارجية؛ فتضمن بعد ذلك استتباب الأمن الداخلي للعاملين فيها، وكذلك ضمان عدم تأثر خطوطها الإنتاجية وصادراتها إزاء أي متغير.