محمد أبا الخيل
لا تحدث الحروب الأهلية إلا في بلد فشل في التنمية، والتنمية لا تكون في جانب دون جانب آخر، فالتنمية الاجتماعية والتنمية الحضارية والتنمية الاقتصادية تتضافر لتشكل المحصلة للتنمية الشاملة، فالتنمية الاجتماعية تتمثل في ثلاثة جوانب هامة هي التعليم والصحة وحماية الحقوق العامة، والتنمية الحضارية تتمثل في ثلاثة جوانب هامة أيضاً هي التنظيم والتقنين والانضباط، والتنمية الاقتصادية تتمثل في ثلاثة جوانب مهمة هي التوظيف والإنتاج والاستثمار. هذه الجوانب التي تمثل عناصر التنمية الشاملة يجب أن تتناغم وتتضافر، وقد يحدث في بعضها خلل أو قصور وهو ما يقود لخلل أكبر في التنمية الشاملة، لذا تهتم الدول ذات الطموح التنموي برعاية هذه العناصر بصورة مستدامة، أما الدول التي تختل بها هذه العناصر فبقدر الخلل تعاني مجتمعاتها من ضغوط معيشية تقود أفرادها للهجرة أو مكوناتها للتناحر والاقتتال.
في محيطنا العربي للأسف هناك اقتتال في العراق واقتتال في سوريا واقتتال في اليمن وهجرة للمثقفين والمحترفين وذوي الكفاءات التعليمية من بلدان عربية أخرى، والسبب هو فشل التنمية الشاملة، والفشل التنموي له مسببات تبدأ بضعف التأهيل القيادي للسلطة التنفيذية، والتي تتكون بفعل قسري كالثورة أو الانقلاب أو التسلط، وتستشعر ذلك فتجنح للاحتكار والظلم وتجزئة المجتمع إلى فئات تعتمد على إحداها في حمايتها وتتسلط على البقية. فيسود في المجتمع القمع والاحتكار للمصالح وتصبح ثروة البلاد دولة بين فئة محدودة وباقي المجتمع يعاني من الفقر والقهر.
الفشل القيادي للمجتمع يخل بموازين الإدارة السليمة للدولة، لذا تصبح الأنظمة والقوانين أداة للتسلط ويستثنى من احترامها ذوو النفوذ، ويصبح العدل لعبة بيد المتنفذين وتضيع موارد الدولة بين الفساد والاستئثار والاحتكار، هذا الفشل القيادي يصرف أرباب السلطة عن الاهتمام بعناصر التنمية الشاملة، ويقودهم للاهتمام بجوانب أخرى هامشية كالرياضة والإعلام وبناء المعالم المعمارية، والهدف منها خداع الرأي العام وخلق تصور بوجود تنمية وطنية، وبعض الأنظمة الفاشلة تشتغل بخلق عداوات خارجية من خلال النزاع مع الجيران أو التدخل في شؤون الدول المستقرة، ذلك لتكوين صورة ذهنية لدى المجتمع بوجود تحديات خارجية يجب عليه مواجهتها ودعم القيادة.
المجتمعات العربية التي تتقاتل فيما بينها في الوقت الحاضر لم تكن أقل قدرة على النمو والنهضة لو قيض لها قيادات سليمة ومخلصة، فالتأسيس الحضاري ضارب في تاريخها والتعليم سائد فيها منذ مئات السنين، واقتتالها اليوم هو صراع المواطن مع سلطة لا يراها جديرة بقيادته ولا يراها عادلة في حياته، سلطة لم يستطع الخلاص منها بسلام، لذا اشتعل الصراع ولن ينتهي إلا بزوال تلك السلطة، ولا شك أنه صراع غير مضمون النتيجة في حفظ وحدة البلاد، بل إن الحديث عن تجزئة العراق أو سوريا أو اليمن بات حديثاً يطرح بجدية بين الباحثين عن نهاية لهذه الحروب، نسأل الله أن ينهيها ويحقن دماء الأشقاء وأن تكون نهايتها بداية لنهضة عربية جديدة يستحق فيها المواطن العربي العيش بكرامة وسعادة.