فوزية الجار الله
في مثل هذا الصيف، في العام الماضي كنت في مدينة إسطنبول، العاصمة التركية الغنية عن التعريف، وهي مدينة جديرة بالزيارة لاتساع مساحتها ولوجود الكثير من المعالم الأثرية السياحية فيها إضافة إلى الأنشطة الثقافية والترفيهية..
في بداية سكننا في الفندق وأثناء وقوفي بالقرب من النافذة، تناهى إلى سمعي صوت موّال عراقي شجي رائع. في الغد أخذت أتأمل المنطقة المحيطة بي لمعرفة من أين يأتي ذلك الصوت؟ لم أتوصل إلى نتيجة، وجدت بابًا جانبيًا لأحد المباني الذي تميز بجدران عالية وفيه اثنان من الحرس أو الشرطة، حين سألتهما فيما إذا كان هناك موقع لإقامة الاحتفالات، فهمت منهما أن لا شيء هنا فقد كنت لحظتها لا أفهم اللغة التركية إطلاقًا - حيث تعلمت بعض الكلمات والعبارات فيما بعد - استمر الصوت الجميل في اليوم التالي، في اليوم الثالث بالمصادفة البحتة، كنت أسير ومن يرافقني مساء - فمن الأفضل ألا تكون وحدك في رحلة سياحية لأجل مزيد من الاستمتاع والأنس ليس إلا - دخلنا إلى أحد المطاعم الذي يتضمن مقهى في داخله، وجدناه غير مناسب لجلوسنا، لكن أشار النادل بيده إلى الشرفة هناك، فوجئت بأن نافذة الفندق الذي نسكنه قد أصبحت أمامنا، إذا من هنا يأتي الصوت، تذكرت هذا الموقف الطريف وأنا استمع إلى موال قديم لفاضل عواد فاجأني مصادفة أثناء بحثي عبر اليوتيوب، وهي أبيات من قصيدة شهيرة لقيس بن الملوح:
(لقد لامني في حب ليلى أقاربي
أبي وابن عمي وابن خالي وخاليا
ألا يا حمامات العراق أعنّني
على شجني وابكين مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ
فياليتني كنت الطبيب المداويا)
مع ملاحظة أن الأبيات الواردة في الموال قد تعرضت لبعض التعديل، ولن أقول التحريف وليست تمامًا كالقصيدة الأصلية.
كلمة موال حسب معجم المعاني هي (فن جديد من الفنون الشعريّة المستحدثة التي ظهرت بين الطبقات الشعبيّة في بلاد المشرق الإسلامي في إطار التجديد والتطوير في نظام القصيدة العربيّة الموروثة من حيث وحدة قافيتها، طلبًا للسهولة والسيرورة بين عامّة الناس تأليفًا وغناءً وسماعًا، ويغنّى الموّال عادة في صحبة ناي أو ربابة).
أما طيب الذكر فاضل عواد فهو صوت عربي قوي أصيل سمعته للمرة الأولى في أوج مراهقتي عبر الإذاعة من خلال أغنيته الشهيرة (لاخبر لاجفية، لاحامض حلو، لاشربة) والأغنية باللهجة العراقية..
ومازال صوته جميلاً حتى الآن حيث نال شهادة الدكتوراه وأصبح يدرس العروض عددًا من السنوات في الجمهورية الليبية ما بين عامي 1995 و2005 م.. قال عنه أحد المذيعين في مقدمة أحد اللقاءات الحديثة نسبيًا:
(حين غنى لا خبر صار مبتدأ مقدمًا على غيره حتى طائر السنونو لم يصل بصوته إلى ما وصله هو من أرجاء).