غسان محمد علوان
تطل علينا حاليًا أكبر تظاهرة رياضية في العالم، وهي الألعاب الأولمبية التي تستضيفها في هذه النسخة ريو دي جانيرو البرازيلية. كل الدول أعدت عدتها لهذه التظاهرة العالمية، وأرسلت شبانها وفتياتها محملين بأحلام أوطانهم برفع رايته عاليًا، وعزف نشيده الوطني في أقصى أطراف المعمورة وعلى آذان جميع سكانها.
الفوز بميدالية في هكذا محفل، ليست مجرد انتصار شخصي في لعبة فردية، أو اعتلاء فريق لمنصة التتويج في لعبة جماعية. فالرسالة أكثر عمقًا، والهدف أكثر إمعانًا في الفخر.
الميدالية الذهبية تعني أن هناك وطنًا يشع بإمكانات أبنائه الفريدة، وأن تلك الإمكانات لم تذهب سدى لعدم تنميتها كما يجب أو لغياب الوسيلة في وضعها على المسار الصحيح لتحقيق المنجز.
الرسالة المراد إيصالها بجانب الفرح بالإنجاز، هي أن هناك مؤسسات في المجتمع (حكومية أو خاصة) قد جهزت كل ما يحتاجه الشباب من مرافق لممارسة الألعاب المختلفة، وصرفت على تلك المرافق وعلى المدربين وعلى اللاعبين بما يوازي طموح شبابها، ولم تجعل منهم همًا هامشيًا يجب إسكاته بأقل القليل، أو حتى تجاهله مع سبق الإصرار والترصد.
الرياضة كانت وما زالت الصورة الأجمل، والأكثر حسنًا لأي مجتمع. وهي القادرة على إيصال هويته وتقاليده بأقصر الطرق والوسائل.
كثير من الدول التي تسمى بدول العالم الثالث، وجدت طريقًا لنفسها كي تضع اسم بلدها على كل لسان، وتضع علم وطنها أمام كل عين. ولنأخذ جامايكا على سبيل المثال لا الحصر. فتلك الدولة الصغيرة التي لا تكاد ترى على الخريطة، التي لا يتعدى سكانها الثلاثة ملايين نسمة، قد حققت 67 ميدالية أولمبية على مر تاريخ مشاركاتها.
وهذا يعني 67 يتم رفع العلم فيها أمام أعين العالم. ويعني أيضًا 67 مناسبة يتم فيها المباركة للوطن والتغني به وإظهار حبهم له. وذلك ينطبق أيضًا على إثيوبيا الدولة الفقيرة في كل شيء إلا بأبطالها، الذين حققوا 45 ميدالية متفرقة على مدار تاريخ مشاركاتهم في الأولمبياد.
فأيننا نحن عن كل هذا؟
فنحن في المملكة العربية السعودية نملك كثيرًا مما لا يملكه غيرنا. فنحن من القلة ما بين كل دول العالم الذين نملك ذلك التنوع الجغرافي الذي يضمن نشأة طبيعية للاعبين بمزايا معينة تتناسب مع ألعاب معينة.
ونحن أيضًا من يملك ذاك النسيج الجميل من الأعراق والمشارب الذي باختلافه يضمن لنا عديدًا من الانتخابات الطبيعية التي تجعل من الإنسان قادرًا على الإتقان في تلك اللعبة أو غيرها.
ونحن أيضًا من نملك القدرة المالية على إنشاء المنشآت الاحترافية لكل لعبة، والتركيز عليها بما يناسب طبيعتها وطبيعة قاطنيها.
كل ذلك لم يؤثر فينا على الإطلاق، ولم يجعلنا نتحرك للأمام أي خطوة حقيقية، وأنتج لنا كل هذا الإهمال والتجاهل لما نملك وما نستطيع تحقيقه ثلاث ميداليات فقط على مر تاريخنا في الأولمبياد.
مللنا من المشاركة لمجرد الاحتكاك، وكان رد أصحاب الشأن تجاه مللنا ذاك بزيادة في الإهمال لدرجة حعلتنا نتمنى أن نشارك لمجرد الاحتكاك، بدلاً من الوجود الصوري والرسمي فقط.
جريمة حقيقية في حق مواهب البلد المدفونة، التي لم نجرؤ حتى الآن على البحث عنها، فما بالكم بمحاولة صقلها وتحويلها لأيقونات حقيقية ترفع اسم وطننا الغالي في المحافل، وتدمع حينها أعينهم وهم يستمعون لنشيد الوطن يصدح في أقصى أراضي الأرض.
فهل سنرى عملاً حقيقيًا ملموسًا على أرض الواقع يجعلنا نطمح بمستقبل أولمبي لشبابنا، أم أن أسطوانة الوعود الفارغة ستعاود العزف على مشاعرنا ومسامعنا مرة أخرى؟ أم أننا اقتنعنا بأننا في هذا الصدد، نقبع في العالم الرابع الذي لا يعدو دور قاطنه سوى أن يكون متلصصًا على البقية باستراق النظر بين فترة وأخرى؟