عادت عكاظ وعدنا في مرابعها
وأشرقت شمسها من بعد مهجعها
سوق لها في قديم العهد منزلة
وملتقى لوفود الضاد أجمعها
جُبل الإنسان وطبع على حبّ التنقل من مكان لآخر..، لتغيير نمط حياته اليومية بالسَّير في مناكب الأرض دانيها وقاصيها..، بعيداً عن محيطه الأسري والاجتماعي لإرواء غلّة النفس مما يطيب لها ويُريحها، لأن كثرة الترحال والأسفار تُجدد النشاط الجسمي والذهني معاً، وتنمي ثقافة المرء، وتدعم مَخزونات ذاكرته بما يشاهده من آثار ومعالم أثرية, وحضارية في هاتيك البقاع النائية عن مَطْرَحِ رأسه، وبيئته المحيطة به..
سح في البلاد إن أردت تعلماً
إن السياحة في البلاد تُفيدُ
ويقول أبو تمام:
وطول مُقام المرء في الحي مُخلقٌ
لديباجتيه فاغترب تتجددِ
ومعلوم أن بعض فحول الشعراء، وتجار العرب منذ العصور القديمة يَشُدُّون الرحال في مواسم معينة، ويتقاطرون صَوبَ الميادين والأسواق المعروفة في العصر الجاهلي، وفي صدر الإسلام.. ـ مثل سوق عكاظ الذي أيقظه من سباته العميق مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة.
لعرض بضائعهم التجارية ومنتجاتهم الحيوانية ..، وما دَرّتْ به قرائحهم من غر القصائد الشعرية للتنافس والمباهات..، والحصول على قصب السبق لدى المُحكِمين ومقيمي جيد الأشعار .. أمثال صاحب الخيمة الشاعر الفحل النابغة الذبياني الذي قال في اعتذاريته للنعمان بن المنذر هذا البيت رائع التصوير ضافي الخيال:
فإنك كالليل الذي هو مُدركي
وإن خِلْتُ أن المنتأى عنك واسع!!
فسوق عكاظ السنوي ملتقى تجاري وثقافي في تلك الحقب البعيدة منذ القِدم، وكاد ذكره ينسى ويُمحى من الذاكرة..
ويُذكر أن جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ تغمده المولى بواسع رحمته ـ هو أول من سأل عن موقعه الصحيح وحدوده، فتضاربت الآراء في ذلك.. ولكنه أيد ما ذكره علامة الجزيرة الشيخ حمد بن محمد الجاسر ـ رحمه الله ـ الذي قال: المكان يجب أن يكون مُتسعاً لاجتماع القبائل. لا في بطون الأودية وسفوح الجبال. وكأن لسان حال الملك فيصل ـ رحمه الله ـ يقول لو لم يكن من تلك الملتقيات والتجمعات للتنافس في ساحات مُنتدياتهم الشعرية سوى تولَد المعلقات السبع بل العشر لكفى, فهي أشعار خالدة إلى يومنا هذا ترددها الأجيال جيلاً بعد جيل على تعاقب الملوين..،
ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفل مهرجان سوق عكاظ في دورته العاشرة لهذا العام 1437هـ لها أهمية على المستوى المحلي والعربي عامة تُضفي عليه بريقاً ساطعاً.., وحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ الذي يعد وراء نجاحات فعاليات السوق في السنوات الماضية..، وقد أصدر سموه الكريم تعليماته بتوفير ما تحتاجه المشروعات الجديدة مادياً لتطوير الحركة السياحية التي تشهدها مدينة الطائف المصيف الأول من كثافة الزوار لمتنزهاتها الرحبة، والدعم السّخِي من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لإنجاح تلك المهرجانات لترغيب المتنزهين داخل الوطن والحد من الهجرة الصيفية خارج الوطن كل عام..، كما لا ينسى الدور الفاعل الذي يقوم به معالي محافظ الطائف الأستاذ فهد بن عبدالعزيز بن معمر على مدار العام من عقد اجتماعات مع رؤساء المصالح الحكومية كلٌ في اختصاصه للعمل على التطوير والتوسع في المشاريع التي تهم المواطن والسائح معاً.., وتجاوب أمين محافظة الطائف المهندس النشط محمد بن عبدالرحمن المخرج على إظهار المدينة بالمظهر الحضاري الجميل ومتابعة إنجاز المشاريع العامة لاستمرار انسياب سير المركبات في الطرق والشوارع..
والحقيقة أن مدينة الطائف تعد من المصايف الجميلة لنقاء أجوائها وطيب هوائها:
بنفسي تلك الأرض ما أجمل الربا
وما أحسن المصطاف والمتربعا
وفق الله جميع العاملين المخلصين في خدمة أوطانهم تحت رعاية خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز مُردداً هذا البيت:
فعش للورى واسلم سعيداً مُهنئاً
فحظ الورى في أن تعيش وتسلما