تحدثت في مقال سابق بعنوان: (هل خدمت الجامعات المجتمع؟) عن دور الجامعات في خدمة المجتمع وتطويره وحل مشكلاته, وهو دور يلزم الجامعة التي تعد من أهم بيوت الخبرة في كل مجتمع. وتحدثت أيضاً عن أهم أدوار الجامعة تجاه المجتمع وهو تطوير التعليم العام, فالجامعات ستتطور والتعليم العام سيتطور وهو ما يعني تطور المجتمع ككل, وتحدثت عن العوائق التي تقف في طريق الجامعات لخدمة المجتمع ولعل من أهمها: أزمة الثقة بين المسؤول في الدائرة الحكومية والأكاديمي في الجامعة, ولعلي أوضح ذلك بشيء من التفصيل.
فلو افتراضنا أن كل جامعة سعودية عندنا قامت بتطوير إدارة تعليم واحدة من جميع النواحي مثل: الطلبة, والمعلمين, والمديرين, والمشرفين, وموظفي المدارس وإدارة التعليم, والمباني, والأنظمة الإدارية, وكل ما يتعلق بإدارة التعليم تلك وفق شراكة حقيقية بين الجامعة وإدارة التعليم من حيث التكاليف والكوادر البشرية, وتحت إشراف الوزارة المسؤولة عن الجهتين وهي وزارة التعليم؛ لتحققت نهضة تعليمية كبيرة للتعليم العام والجامعي معاً, وذلك من خلال النقاط التالية:
* سيتطور التعليم العام بوجود جهة تخطيطية وتنفيذية وإشرافية هي الجامعة التي ستتبنى تطوير إدارة تعليم واحدة, وهذه الجامعة هي بيت خبرة يحتوي على علماء في غاية الخبرة والكفاءة في تخصصاتهم.
* وسيتطور التعليم العام من خلال وجود علماء وأكاديميين مختصين في تخصصات مختلفة صحية وإنسانية وتطبيقية وغيرها؛ ينتمون لجامعة واحدة, ويشتركون في هدف واحد هو تطوير إدارة تعليم واحدة (كلٌ يطور حسب تخصصه) مما يعني تطويرٌ شاملٌ لمجتمع إدارة التعليم تلك.
* ستتيح هذه الخطوة لعلماء الجامعة فرصة ميدانية لتطبيق نظرياتهم التطويرية على مجتمع محدود, وهو ما سيوفر لهم فرصة التركيز والتعمق في البحث العلمي وحل المشكلات.
* وسيتطور التعليم الجامعي من خلال المنافسة بين الجامعات في تطوير إدارات التعليم, ومن خلال المنافسة بين علماء التخصص الواحد في الجامعات المختلفة في إثبات صحة فلسفاتهم ونظرياتهم العلمية.
* وسيتيح هذا القرار للجامعات فرصة تطوير الطلبة الذين سيلتحقون بنفس هذه الجامعة, والتعرف مبكراً على نقاط ضعفهم, ومحاولة علاجها قبل أن يصلوا للمرحلة الجامعية. مما يعني الاستغناء مستقبلاً عن السنة التحضيرية, أو ـ على الأقل ـ توجيهها لأكثر نقاط الضعف أهمية وحاجة لدى الطلبة, وهو ما يعني ارتفاع مستوى التعليم الجامعي.
* وسيتيح هذا القرار للجامعات فرصة اكتشاف الطلبة البارزين في مراحل التعليم العام؛ ومحاولة تبنيهم ووضع برامج خاصة ومكثفة لهم وهم لا يزالون في مراحل التعليم العام, مما يعني حصول الجامعة على علماء للمستقبل يساهمون في رفع المستوى العلمي للجامعة.
* وسيتيح هذا القرار لوزارة التعليم فرصة ذهبية بتطوير التعليم العام والجامعي معاً, وتوفير بيت خبرة في مجالات التخطيط والتنفيذ والمراقبة لكل إدارة تعليمية, بينما تكتفي وزارة التعليم بالإشراف العام على الإدارات والجامعات, كما يمكنها رؤية العديد من التجارب التطويرية والاستفادة من أفضلها مستقبلاً.
ولهذا القرار العديد من الجوانب الإيجابية التي لا يتسع المقال لذكرها, كما أن له بعض الجوانب السلبية التي يجب أن تُحلَّ قبل أن يطبق هذا القرار, ومن أهمها: اقتناع مسؤولي وزارة التعليم ومسؤولي الجامعات وأكاديمييها بفائدته على الطرفين وعلى المجتمع ككل, وإيمانهم بضرورة المشاركة الحقيقية والفاعلة فيما بينهم لتحقيق الهدف العام من القرار, وضرورة كسر العوائق البيروقراطية التي ستواجه تنفيذ هذا القرار.
إن مبادرة أي جامعة لتطوير التعليم العام, بصورة حقيقية وجادة, وبمشاركة فاعلة في تحمّل كافة التكاليف التخطيطية والتنفيذية والإشرافية, وبعيدة عن الاكتفاء ببهرجة إعلامية زائفة؛ هي مبادرة لتطوير الجامعة نفسها, ووسيلة لرقيها وحل مشكلاتها, ومبادرة لتطوير مجتمعنا جميعاً, فهل ستبادر الجامعات لتطوير التعليم العام؟.
- باحث تربوي ومختص في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)