لم يكن مجتمعنا يوما خارجا عن دين الله، ولم تكن حكومتنا يوما ترضى أن يعمل فينا بغير شرع الله، لكننا أمضينا ردحا من الزمان ونحن وشبابنا يلقنون بأن الحكم بما أنزل الله عزيز ولا يوجد منه عندنا إلا في النظر في الأهلة لدخول شهر رمضان وخروجه، والقضايا التي يحفظ ببعضها الأمن!!
ولم نكن نسمع هذا من مشايخنا الكبار الذين تلقينا عنهم العلم: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وسماحة الشيخ محمد بن عثيمين وسماحة الشيخ صالح الفوزان وغيرهم، وإنما نسمعه ممن لهم توجه معين لم ندرك آنذاك أبعاده، وكان هذا إبان نشاط دعوة السروريين، وصاحَب هذا محاضرات عن (أسباب سقوط الدول)، وكانت هذه المحاضرات تركز على أن السبب الرئيس هو ترك الحكم بما أنزل الله، وصاحبه أيضاً أطروحات جامعية تتحدث عن نواقض الإيمان!!
فقررت بعض هذه الرسائل التكفير البشع، وصحبه أيضاً رمي المجتمع وعلماء أهل الإسلام بالإرجاء، فصار كل من لا يوافقهم على غلوهم في مسأالة الحاكمية مرجئا، وألف ونشر السرورية في هذا كله!
وجعلوا الشاب المسالم في متاهات، فالمخرج عندهم؟
المخرج عندهم:
- الالتزام بتبعية شخص معظَّم عندهم، يأمرك فتطيعه، وينهاك فتطيعه من غير سؤال ولا مناقشة، حتى في اختيارك للجامعة والقسم الذي تريده، فهم يعدّون أنفسهم أعرف بمصلحتك من نفسك، ورغبتهم مقدمة على رغبتك لأن رغبتهم منظور فيها جانب الجماعة وأما رغبتك فهي شخصية فقط.
- الالتزام بمجموعة يكون ارتباطك الروحي والبدني معها، بما فيها التقدم على الوالدين.
- ترك النظر والقراءة والاستماع لمن لم يرشدك مرشدك بالقراءة له والاستماع له.
- ترك السؤال عن الجماعة والجماعات، فهذا سؤال يسبب طرد الشخص من الأسرة إن ثبت أنه سأل، لأنه يلزم منه أن السائل له اتصالات أخرى خصوصاً الجهات الأمنية!
- تعظيم كل الجماعات الحركية، مع اعتقاد أن جماعتك هي أكملها وأتمها، وأنه لا خطأ فيها لأنّها هي الإسلام عندهم، فما جاء به محمد سرور وتلامذته لا يجوز لأحد التشكيك فيه أبدا، وما جاء به سيد قطب، فالقدح فيه كالقدح في المنزَّل من عند الله، وما جاء به حسن البنا، فلا يقدح فيه إلا كافرٌ خارج عن الملة!
فتعظيم هذه الجماعات الحركية سببه هو أن هذه الجماعات كالسواقي لحوض الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين.
ولهذا لا نستغرب من بعض كبارهم حينما يثنون على جماعة التبليغ ويثنون على علمهم، مع أن جماعة التبليغ جماعة صوفية قائمة على:
أ - السحر، الذي جاء به بعض زعمائهم وصاروا يستخدمونه مع المدعوين خصوصاً مع (المستورات) اللاتي يستعملن السحر مع أزواجهن لئلا يمنعها من الالتحاق بهذه الجماعة.
ب - استخدام الشياطين لتحقيق كراماتهم المزعومة.
ج - الدجل والخرافة والكذب في القصص والأخبار التي يعرف كذبها كلُّ من لم يكن متأثرا بسحرهم.
فنجد كبار التنظيميين في جماعة الإخوان من المتسترين ربما لا يجرؤون على الثناء على جماعة الإخوان المسلمين، لكنهم يثنون على جماعة التبليغ، لأن هذه الجماعة هي الطريق إلى الإخوان، الإخوان يراقبون ما اكتسبته التبليغ ثم يستميلونهم إليهم، فإن وجدوه يفكر جعلوه منظرا معهم، وحافظوا عليه، وإن وجدوا لديهم قدرات ومهام بدنية ألحقوه بداعش أو جبهة النصرة.
أقول: لهذا تجد الإخوان المسلمين يحاربون كل من يتكلم في الحركات ويتهمونه بشتى التهم ليسقطوه، وإذا كان هناك مركز علمي بحثي أو قسم علمي في جامعة من الجامعات يتحدث عن الجامعات والحركات، اجتمع من بأقطارها على إفشاله وإسقاطه، كما يفشلون كل عمل علمي يصب في هذا المجال.
ومن مكرهم ودهائهم أنهم إذا أرادوا إسقاط المشروعات العلمية المعنية بالحركات الإسلامية لم يتطرقوا إليها هي نفسها، وإنما يأتون من أبواب أخرى، كالحديث عن أن هذه الأقسام أو الموضوعات تفرق الوحدة الوطنية، أو تسبب تمزقا في الصف، أو أن هذه قتلت بحثا، ولا جديد فيها، ويستعينون ببعض مفكريهم!
ومن المعلوم بداهة لكل مسلم أن الاحتساب على هذه الجماعات مأذون به شرعا ونظاما، فالدولة - وفقها الله - هي التي أعلنت كثيرا من هذه الجماعات كجماعة الإخوان المسلمين أنها إرهابية، ومنعت جماعة التبليغ من العمل في المملكة وعممت على خطباء الجوامع التحذير منها في جمعتين متتاليتين!
وإن فوبيا الكلام عن الحركات الإسلامية لدى منظري هذه الحركات قد شل الحركة العلمية!
وإننا نأمل من القائمين على جامعاتنا تشجيع الكلام في هذه الحركات لتكون مشروعات علمية لأعضاء هيئة التدريس وأطروحات الماجستير والدكتوراه!
وإن مما يذكر في هذا المقام ويشكر لمعالي الوزير الاستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل مدير جامعة الإمام إنشاؤه قسماً يهتم بهذه الموضوعات برؤية شرعية ليس فيها غلو ولا تسرع في الأحكام ولا نيل من الأشخاص، وإنما على قواعد وضوابط يميز بها الشخص بين المنتمي لهذه الجماعة والحركة وتلك، وهذا القسم هو (قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة) الذي صار أشهر قسم علمي على حداثته.
وللحديث بقية.
وإلى اللقاء إن شاء الله.
- المستشار، والباحث في شؤون الجماعات