رجاء العتيبي
لا غرابة في سيطرة (ثقافة الصورة) على المشهد العالمي تاريخيا وإعلاميا, طالما أننا في زمن (الصورة) تلك التي بدأت تسيطر على كل مناحي الحياة.
لم يعد للتدوين دور مهم كما كان في السابق, فالناس باتت تشاهد ولا تقرأ, بفعل تطور وسائل التقنية, وبفعل بزوغ فجر الجماهير مقابل تواري دور النخبة.
في تقديري أن الرصد الكتابي انحسر في مراكز البحوث والجامعات, وفي بعض الصحف الورقية التي مازالت تقاوم التغيير, الكتابة توارت فعلا لصالح الأفلام الوثائقية والدرامية ولقطات أفراد المجتمع على قنوات التواصل الاجتماعي.
في هذا العصر لم يعد أحد يحفل بصدق التاريخ أو كذبه فقد تكشّف لهم الكثير عن التاريخ الذي يكتبه الأقوى, أو تكتبه الطائفة, أو يكتبه الحزب, لم يعد للتاريخ أثر في نفوس جماهير عصر ما بعد الحداثة, فلا يهمهم سواء كتب بالقلم أو كتب بالكاميرا, ما يهمهم هو الحاضر والمستقبل, لقد مل الناس في هذا العصر الكلام عن الماضي, والفكر الماضوي والبكاء على شخصياته.
نشاهد الآن فيلما وثائقيا يبجل شخصية ما, ولكننا نرى فيلما آخر عنه ينتقص منه, فهل مثل هذه الأفلام تستحق الثقة؟!! , لهذا طالما أنه عمل تاريخي, فلا حاجة لنا به, وطالما أنه فيلم منحاز لا يهمنا أمره, هكذا يفكر جيل اليوم الذي بدا (ينتج) مادته الفيلمية, ويثق بها إذا تحولت إلى تاريخ, لأنها خالية من أي انحياز على الأقل لدى رجل الشارع الذي يبحث عن لقمة العيش ويرغب في الأمان.
وجهات النظر المتعددة في الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن أحداث مضت, يمكن أن تقبل إذا كانت قائمة على معايير علمية وفقا للمنهج البحثي المعروف أما إذا كانت منطلقة من أبعاد طائفية وحزبية وعنصرية ومواقف مسبقة, فغير مقبولة بالتأكيد, والقارئ بدأ يعي مثل هذه الأمور, عطفا على أنها مادة تاريخية , والمادة التاريخية ـ عادة ـ لا يستدعيها أحد إلا إذا كانت تسير وفق هواه, وهذا أمر بدأ مكشوفا للكثيرين في هذا العصر.
كل شيخ يستدعي مادته التاريخية الذي يريد ويلبسها للحضور أو المشاهد أو حتى القراء, وهكذا صار للتاريخ حضور حزبي أو طائفي أو عنصري, فإذا كان التاريخ غير صادق مع نفسه في زمنه, فكيف سيكون صادقا معنا اليوم.