أ.د.عثمان بن صالح العامر
يحفظ لنا التاريخ أسماء رجال جابوا الأرض كل الأرض، ووثّقوا خطواتهم التي مشوها خطوة خطوة، ودوّنوا مشاهداتهم.. مواقفهم.. حكاياتهم وقصصهم بالتفصيل، ومن أبرز الرحّالة المعاصرين صاحب الأسلوب الشيِّق والرّصد الدقيق «عميد الرحالين والمؤلِّفين السعوديين» معالي الشيخ الدكتور محمد بن ناصر العبودي، صاحب كتاب «معجم وجه الأرض» الذي فاز هذا العام بجائزة الملك عبد العزيز للكتاب التي تمنحها دارة الملك عبد العزيز كل عام، وحقّ له هذا الشرف المتوّج بكلمات الثناء العاطرة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله ورعاه - .
لقد جاب «ابن بطوطة النجدي» أقاصي الأرض حتى أنه زار أكثر من ثلاثة آلاف مدينة، ووثّق هذه الرحلات فيما يربو على مائة وستين كتاباً، نقل لنا صورة حية عن طبيعة البلدان، وروى لنا تقاليد وعادات وعقائد وقيم وأعراف الشعوب، وسجل لقرائه تاريخ الدول وحضارة الأمم وعواصم البلدان، حتى كأننا معه في تنقلاته وسفراته التي صارت مرجعاً ثرّاً للراغبين في معرفة المزيد عن ثقافات الأجناس البشرية وحضارات الأقاليم الأرضية.
اليوم تم توظيف الوسائط الاجتماعية social media « سناب شات وتويتر والفيسبوك والإنستغرام» من قِبل الرحّالة الجدد لتوثيق رحلاتهم الرائعة ورصد مشاهداتهم المتميزة بشكل يستحق الإشادة والشكر والتقدير.
شخصياً لم أكن من متابعي هذه النوع من السنابات والتغريدات، حتى نصحني أحد الزملاء بمتابعة حساب عاشق إسطنبول « سلطان المرواني» ، وبالفعل فتحت على «المرواني» - الذي لا أعرفه لا من قريب أو بعيد، ولم أشرف برؤية محياه حتى تاريخه - فوجدته دقيقاً فيما يذكر، حريصاً على توعية المتابع، مؤرِّخاً بامتياز، عارفاً للمواقع والأحداث بشكل جيد، يتمتع بأسلوب سلس وشيق وماتع، وفي ذات الوقت يقدم معلومات مفيدة تهم شريحة عريضة من المتابعين، اجتهد في التوثيق وحرص على التحضير الجيد لما سيقول وينقل فكان وفياً مع متابعيه.
تنقلت بعد ذلك في عالم السناب أستمتع بما يبدعه جمع من شباب وفتيات الوطن الذين يتنقلون هذه الأيام بين بلدان الكرة الأرضية ذات الثقافات المتنوعة والحضارات المختلفة، فوجدت للرحالة عبد الله الجمعة روائع، وليوسف السديس إبداعات، ولعلياء العبيد جماليات، والأسماء تتزاحم في هذا العالم المفتوح لتعلن عن ميلاد مرحلة جديدة في أدب الرحّالة السعودي، وحق هذا الجهد المتراكم أن يجمع نهاية صيف كل عام، ويراجع وينقح ثم يخرج في عمل وثائقي تحت مسمّى واحد أياً كان هذا المسمّى، وتحت أي مظلة أنتج هذا العمل الذي هو محل فخر وإعجاب، وإن كنت شخصياً أرشح لتبني هذا المشروع الشبابي مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية «مسك «، التي تولي هذه الفئة الشابة اهتمامها ورعايتها، والتي نفذت ملتقى «مغردون» 2016م ، في فندق الريتز كارلتون بالرياض، برعاية كريمة من لدن مقام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد حفظه الله ورعاه، وبمشاركة وحضور كبار المغردين الخليجيين، ولعله يكون في ملتقى 2017م تكريم هؤلاء الرحالة الذين استطاعوا توظيف الوسائط الاجتماعية توظيفاً إيجابيًا مفيداً.
الشيء الذي يؤخذ على البعض من هؤلاء الرحالة أنه قد يستطرد أحياناً في سرد التاريخ، وربما نحا منحى شخصياً وتحدث عرضاً عن حياته هو أو هي سيان، وهو أو هي معذوران في هذا؛ إذ إن توثيقهما الذي أتحدث عنه هنا هو في الأساس توثيق شخصي وبكاميرا جوال خاص، ومما يشاد به - بشكل عام - جودة التصوير، وعرض تفاصيل التفاصيل، وعقد المقارنات أحياناً، والتحذير من بعض الأخطاء التي قد يقع فيها شريحة عريضة من السياح العرب، وذكر الشواهد والأدلة التي توجب أخذ الحيطة والحذر.
قد توسع دائرة التكريم والاحتفاء المشار إليها أعلاه فتشمل رحالة خليجيين هم أيضاً يقدمون، من خلال سناباتهم شيئاً مختلفًا أمثال «ماجد الصباح» الذي نعيش معه هذه الأيام في البرازيل « أرض السامبا» بعد لندن. ويمكن أن يكون التكريم لمنتديات قامة بذات الدور بشكل احترافي جديد.
الشيء الجميل أن يكون من هؤلاء المبدعين فريق متكامل يجوب بنا مناطق بلادنا الغالية لنقرأها على ضوء ما ترصده عدساتهم، وفي دائرة ما تسطره كلماتهم قراءة جديدة، تزيل عن عيوننا غطاء الإلف الثقيل الذي جعلنا لا نراها كما هي، بل كما تعوّدنا أن نراها، ولعل «العربية» أو إحدى القنوات السعودية، تتبنى هذا المشروع الوطني الواعد، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء والسلام.