- ما مدى حبك للناس؟
هل نستطيع القول (افهمهم تحبهم) قد يكون في هذه العبارة شيء من الصحة خصوصاً أن سوء الفهم أو ضعفه تجاه الآخرين يجعلنا في حالة من عدم التماسك في إصدار أحكام داخلية تجاههم بمعنى هل هذا الشخص محل الثقة هل هو يبادلني التعاطف والتقدير هل هو جدير بما أمنحه إياه ثم لماذا هو بهذه الحدة أو المراوغة أو التردد أو لماذا هو يكثر من إضحاك الآخرين عليَّ وعدم تفويت مناسبة في ذلك؟
أسئلة عدة ولا زلت أؤكد على أهمية فهم الآخرين وتكوينهم النفسي وتجاربهم الخاصة وسماتهم الشخصية وما تلقوه من تربية وما واجهوه من صدمات وأحداث ثم إن كثيرا من المعجبين بك يمارسون هذه الأخيرة وهي لمزك الدائم وهذا ينبئ في بعض أحيانه عن أنه يريد أن ينبهك لوجوده إنك تعني له الشيء الكثير ولكنك لا تعيره الاهتمام المطلوب وهو لا يجيد غير هذه الطريقة السمجة وهي لمزك وغمزك وتصيد المواقف عليك باختصار هو يصيح بك (أنا هنا - أنا موجود - انظر إلي) والحل مع مثل هذا الاستماع إليه أمام الآخرين وسؤاله عن حاله وطرح الأسئلة المناسبة عليه وأخذ رأيه والإشادة المتزنة بما يقول ليتحول يوماً ما إلى مدافع عنك في غيابك، إذن لا بد من معرفة الدوافع الحاملة لكل من حولي والذين يهمني أمرهم على ما يقولون أو يفعلون أو ما يشعرون به من استياء أو شك أو يأس تعرف على سماتهم الشخصية وقدر ظروفهم الحياتية وما يمرون به من ضغوط تزداد يوماً بعد الآخر واجعل هامشاً لاستشعار تأثر الجميع بثقافة الغرب المنتج لمواد حياتهم وأساليب عيشهم وهي تؤثر بلا شك في نفوسهم وعقولهم وتسرب إليهم شيئاً من الفردانية والأنانية والنزوع المادي وتشييء الإنسان وتوظيف العلاقات البشرية للمنافع البحتة فلا تصارع زمانك ولا تضرب رأسك بالجدار ولا تبكي على زمن الطيبين وإنما تعايش بمحبة واقتدار وكن المبادر، حب لهم ما تحب لنفسك بصدق حاول هذا ابتداء، وستجد صعوبة وتململ نفسي ولكن لا عليك قاوم اصمد توجه ذهنياً وروحياً فأنت مأمور بذلك (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) خبر بقصد الأمر والشريعة لا تكلف بما فوق الوسع فتأتي من هذا الأمر بما استطعت والقدر الذي ستحصده من هذا المعنى هو قدر حبك للناس وبالتالي هو القدر الذي سيعيدونه لك في دورة من التواد والتراحم بينك وبين الناس إنه كنز محبة الناس وهذه أقوى صور الفاعلية في الحياة ألا وهي الاستثمار في الموارد البشرية لا المادية، فأقوى المستثمرين فيها أي الموارد المادية الصرفة عرضة للانتحار المبكر، ثم إذا كان نزع الغل من النعيم الذي امتن به الله على عباده في الجنة فما بالك تزهد فيه إنه نعيم معجل وصفقة رابحة ومصل هام لمقاومة القلب للشبهات والشهوات والكسل عن الطاعات إنه القلب السليم الذي لم تغلفه الضغائن، وأيضاً عدم إغفال أخطائك وجفافك وعدم إظهارك لما تكنه لهم من ود، فكثير من الأحيان يكون السبب في سوء الفهم وتوترالعلاقة هو أنت من حيث تشعر أو لا تشعر، وباختصار إن استطعت أن تكون طفلاً في توجهك العاطفي للناس فافعل فذاك النعيم الذي لا يعادله نعيم فأنت تذكر نظرتك الطفولية وحبك للآخرين وكل من حولك بل ومن صادفك مرة في حياتك أو ابتسم لك ابتسامة أو شجعك على خطوة صغيرة فما زلت حتى تراكمت على نفسك أشياء تسميها خبرات وهي خرابات قالت لك (الأقارب عقارب والناس أنجاس والدنيا مصالح والزمن فسد وولى زمن الطيبين) والسؤال إذا كان زمن الطيبين ولى فلماذا أنت هنا؟
- ما مدى استقرارك المالي؟
المال في الموروث الثقافي لبعض المجتمعات مفهوم متذبذب فصاحبه يبجل ويعظم وفي الوقت ذاته يصور المال على أنه أوساخ دنيا وقذر وأنه سبب لتفرق الإخوة وسبب للكبر والطغيان والإلهاء عن طاعة الرحمن، ومع ذلك يتواصى الناس بالاستكثار منه والبحث عن مظانه والجهد في تحصيله والمحافظة عليه، وهذا بلا شك له أثر في التكوين النفسي للنشء، فإذا كان الجيل السابق لديه قدرة هائلة في الانتقال الانسيابي بين المعاني والتناغم مع المتناقضات والتي هي من صنعهم، فالجيل التالي لا يمتلك رؤاهم ولا بصيرتهم ولا قدراتهم وعليه فيعيش مقسم القلب بين هذه النظرات المتضادة للمال فيكدسه بعضهم ويشقى في جمعه على حساب صحته وبيته وبعضهم الآخر يعزف عنه ويخلد للتماوت والكسل وبعضهم الآخر يجمعه ليسرف في إنفاقه على ملذاته تحت ذريعة أنه رجس وأن مصيرنا جميعاً للتراب وانفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، هذه الدوامات بلا شك تعطل العطاء المعنوي والمادي لدى الإنسان إذ إن المال مقوم هام من مقومات الحياة وهو نعمة أنعم الله بها على عباده ليتقاضوا من خلالها كثيرا من النعم الأخرى بل هو من الضرورات التي جاءت الشريعة بحفظها وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وهنا نصيحة هامة لا تحدث نفسك بأنك زاهد في المال بينما الحقيقة أنك كسول أو أنك لا تملك مهرة إدارة المال والاتجار به قل الحقيقة لنفسك كي تتجاوز هذا القصور إما بزهد حقيقي أو بعطاء حقيقي لا تزعم الزهد في الدنيا وأنت تحسد أهلها وترمقهم بعين التشهي والتمني، فهذا خداع للنفس وتوريط لها في انفعالات سلبية تقعد بها عن العطاء، عطاؤك لنفسك وعطاؤك لغيرك ولا أجد أننا بحاجة للتأكيد على أن المال ليس غاية وأنه نعم المال الصالح للرجل الصالح، وأنه يؤخذ من حلال ولا يصرف إلا في مباح أو واجب أو مستحب ولكننا نؤكد على أمور منها:
- الاستثمار المتنوع وتتبع حاجات السوق بحس مرهف ودراسة واقعية.
- الادخار واكتساب مهارة الحفاظ على المال من خلال سؤال كبار السن وأهل التجارب والاختصاص وحضور دورات وقراءة كتب تتعلق بالادخار في عصر السلع والتبضع المحموم خصوصاً إن كنت من سكان المدن مع أن القرى وصلتها الحالة التسوقية الإدمانية بعد فتح الفضاء والشراء بالبطاقات الائتمانية من مواقع مثل الأمازون وغيره.
- دعم الشباب والفقراء مادياً ومعنويا وبالأفكار فلا تكتفي بإعطائه الخبز بل ساعده في بناء المخبز الخاص به وإدارته.
- فهم حقيقة المال وأنه ليس طريق السعادة وإن كان في حسن إدارته وأخذه وعطائه بما يرضي الله يكون من أسباب السعادة.
- لا تجعل السعادة مكافأة تأتي بعد قيام الشركة على أقدامها أو بعد أن يبدأ المشروع بدعم نفسه أو غير ذلك من الأوهام فالذي ينشغل عن أسرته وعن صحته وعن رياضته وعن قراءته وتنمية عقله في الكدح وجمع الدراهم ليحصل على مكافأة السعادة في الحلقة الأخيرة وهام وإنما تراعي الأسرة والصحة والعقل في أثناء بذل الجهد التجاري لتتكامل النجاحات في أعمار متساوية وكم رأينا من كبار السن البائسين جمعوا المال على حساب الأسرة والصحة والعقل فأصبحوا (تجوري متحرك)؟!