د. محمد عبدالعزيز الصالح
على الرغم من تأكيد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على أهمية دعم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية وتأكيد دورها في الحد من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني مثل ارتفاع البطالة وتضخم الأسعار وانخفاض رأس المال الاجتماعي, إلا أن الملاحظ أن إسهام هذه الجمعيات في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يعتبر هو الأضعف في العالم, فعلى سبيل المثال, في الوقت الذي يبلغ نسبة مساهمة تلك الجمعيات في الناتج المحلي الإجمالي في كينيا 45% وفي نيوزلندا 22% وفي سويسرا 8% نجد ان إسهام تلك الجمعيات في المملكة أقل من 1%!!
وما من شك, فإن من أبرز التحديات التي تواجه بناء منظومة للجمعيات التعاونية والتوسع في انتشارها في المملكة هو ضعف التعاون والاهتمام من قبل الجهات الحكومية المختلفة على الرغم من أهمية ذلك. فلا نجد هيئة أو جهاز حكومي مستقل مخصص لرعاية وتنظيم الجمعيات التعاونية على غرار ما هو موجود في الكثير من دول العالم, كما لا نجد مركزاً لحوكمة تلك الجمعيات ولا صندوقاً لدعمها وتنميتها, وإنما نجد الفراغ النظامي واللائحي, إضافة إلى طول وبطء إجراءات تسجيل تلك الجمعيات وتعدد العراقيل غير المبررة التي تعترض إنشائها.
وعلى الرغم من صدور قرار مجلس الوزراء قبل عامين تقريباً موجهاً وزارة الشؤون الاجتماعية للقيام بدراسة إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية وذلك حرصاً من مجلس الوزراء على التصدي لظاهرة انتشار سيطرة العمالة الأجنبية على غالبية الأنشطة التجارية, وعلى الرغم من تصريح المسؤولين بوزارة العمل (الاقتصادية 8-2-1436هـ) بأن وزارة العمل سوف تدعم سعودة قطاع العمل من خلال دعم إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية, وعلى الرغم من الإعلان المتكرر لوزارة التجارة بتوجهها للاهتمام بملف الجمعيات التعاونية الاستهلاكية, دون أن ترى شيئاً على أرض الواقع.
إلا أن الملاحظ أن جميع الجهود الحكومية المبذولة في سبيل بناء بنية تحتية سليمة لإنشاء جمعيات تعاونية استهلاكية ما زالت متواضعة جداً ولا تعكس توجه الدولة المعلن سواء في قرار مجلس الوزراء أو في رؤية المملكة 2030.
أعود وأكرر بأن انتشار الجمعيات التعاونية الاستهلاكية يحقق العديد من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مثل مكافحة الاحتكار والقضاء على التستر وحماية الغش التجاري في أسواقنا وتوفير السلع للمواطن بأسعار معقولة وتوطين الوظائف, وتشجيع المنتجات الوطنية ودعم تسويقها وإتاحة الفرصة للمواطن للاستثمار في تلك الجمعيات دون قصرها على التجار, وعلى الرغم من نجاح تجربة الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في غالبية دول العالم وعلى الأخص دول الخليج المجاورة, فعلى الرغم من كل ذلك, ما زلنا نجد ملف الجمعيات التعاونية الاستهلاكية مشتتاً بين عدد من الأجهزة الحكومية, ولذا فإنني أقترح تخصيص إحدى جلسات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لمناقشة ملف تلك الجمعيات والخروج بتوصيات فاعلة للتنفيذ, وتوحيد مرجعية إنشائها وإزالة العراقيل التي تواجهها, وتقديم أراضٍ مجانية مناسبة لإنشاء تلك الجمعيات... ألخ.
ختاماً, سبق أن طالبت وما زلت, بإنشاء جمعية تعاونية استهلاكية رئيسية في كل منطقة من مناطق المملكة بحيث يتفرع عنها فروع في المدن والمحافظات والأحياء التابعة لتلك المنطقة, وبحيث يتم قصر المساهمة والاستثمار في كل جمعية على المواطنين الساكنين في المحافظة نفسها أو الحي الذي أُنشئت الجمعية فيه, وأن يوضع سقف أعلى لعدد الأسهم الذي يسمح لكل مواطن من أهل المحافظة أو الحي بالتملك في رأس مال الجمعية حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن من المواطنين بالاستثمار في تلك الجمعيات, مع أهمية إنشاء هيئة حكومية تتولى الإشراف والتنظيم والمراقبة, وكذلك أهمية استقطاب الكفاءات الاقتصادية المميزة لإدارة تلك الجمعيات لضمان نجاحها, وعلى أن يتم الاستفادة من تجارب الدول المجاورة التي سبقتنا في هذا المجال والاستفادة من تجربتها.