سعد بن عبدالقادر القويعي
تكمن أهمية الوحدة الوطنية في كونها منطلقا ثابتا لضوابط عمل مشترك في حالة الاستقرار، وفي حالة مواجهة الأخطار - على السواء -، وذلك ضمن دائرة الحاضنة الوطنية المشتركة، وتأسيس وظائفها، وأدوارها المختلفة تبعاً لذلك المفهوم ، والتي تعتبر من سمات المجتمعات الحية المتطلعة للبناء العصري، وتجاوز عوامل الفرقة، والاختلاف .
إن حقائق الوحدة الوطنية، وتجلياتها لن تبرز إلا برسوخ العمل على تفكيك حالة التعبئة النفسية، والاحتقان العنصري الجاهلي، والتعدد المذهبي، - خصوصا - وأن هتاك فئة تعتقد أن خلاصها الواقعي في توزيع الحقوق السياسية، والثقافية، والاقتصادية بين الطوائف، والمكونات التي يتشكل منها المجتمع، وهذا - بلا شك - يشكل انطباعا تاريخيا خاطئا، إذ إن أحد الركائز الأساسيّة لبناء أيّ دولة، هو الجمع بين أبناء الوطن الواحد ، والقيام بشكل أساسي على حبّهم لهذا الوطن، وانتمائهم له، ودفاعهم عنه ضمن المساحة التي يعيشون فوقها من الأرض.
التوصيات المؤطرة لمبدأ الوحدة الوطنية، يجب أن توضع في المقدمة، كتقبل التنوع الفكري، وتقبل الاختلاف في حدود الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى حقوق الآخر ضمن الثوابت، دون أن يطغى عليه الإنصات السلبي، والتنفيذ بلا محاولة للفهم . مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، بإشاعة ثقافة السلم داخل المجتمع، وبين مكوناته، وذلك من خلال ترسيخ القيم الإسلامية التي ساوت بين البشر. ولن يتحقق ما سبق ذكره إلا من خلال تفعيل دوائر الحوار، والساعية في مضمونها، وأشكالها إلى توسيع المساحات المشتركة، وضبط النزعات الاستئصالية، والإلغائية، والعمل على بلورة الأهداف، والتطلعات المشتركة.
إننا اليوم في أمَسِّ الحاجة إلى تأصيل مبدأ الوحدة الوطنية، - لاسيما - بعد أن اجتاحت رياح التغيير عواصم عدة في أقطارنا العربية، والإسلامية. - وبالتالي - لا خيار أمام الجميع إلا بالعودة إلى نص المادة «12» في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم، والمعنونة بـ«مقومات المجتمع السعودي»، على أن: «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة، والفتنة، والانقسام « ؛ فطبيعة النظام السياسي، وخياراته تؤكد على توفير المناخ الوفاقي، والتعايش السلمي ؛ من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، وبعيدا عن العجز عن إقامة نسق مشترك، يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها.
عندما نرتقي إلى مستوى الالتزام بكل مقتضيات الانتماء الوطني، سيتمكن مجتمعنا من التخلص من أمراض الطائفية، والقبلية ؛ وحتى نكون متوافقين مع منطق العدل، الذي هو منطق التاريخ، لابد من أن يتكامل منطق الاختلاف، ومنطق الاعتراف، وصولا إلى تأسيس دينامية اجتماعية جديدة ، تتجه صوب التطلعات الكبرى للوطن.