د.عبد الرحمن الحبيب
هذا ما تقوله المجلة الطبية العريقة لانسيت في دراسة لترتيب 122 بلداً من حيث الخمول.. فسبعة من كل عشرة أشخاص اعتبرتهم الدراسة كسالى في مالطا وسوازيلاند والسعودية وصربيا والأرجنتين.. مسلطة الضوء على أن الخمول يتحول بسرعة لمشكلة صحية كبيرة خاصة السمنة.
كان هناك أناس في بلادنا تموت جوعاً صارت تموت من السمنة! فالسعودية حصلت على المرتبة الثالثة بمعدل خمول 68.8 % بعد مالطا الأولى في العالم بمعدل 72 % ثم سوازيلاند بمعدل 69 %. لكن قبل تناول وضعنا مع الكسل لنتعرف على الموضوع؛ فقد عرف باحثو لانسيت الخمول بالإخفاق في الوصول إلى 30 دقيقة من النشاط المعتدل خمس مرات في الأسبوع أو عدم القيام بتمارين رياضية مكثفة لمدة 20 دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع كحد أدنى أو ما يعادلها من نشاط جسدي..
يقول الباحثون، إن نتائج الدراسة تم إصدارها لتتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية لتحفيز الكسولين بأن يختاروا العيش لحياة أكثر حيوية وصحة. وأشار الباحثون إلى أن عدم ممارسة الرياضة هو حالياً السبب الرئيسي للوفاة (مرض القلب التاجي والسكري والقولون)، فالخمول مسؤول عن عُشر الوفيات في العالم، منبهين إلى أن ثلث الناس في العالم لا تمارس الحد الأدنى من النشاط الموصى به.
وكانت بعض الصحف المحلية تناقلت هذه الدراسة الأسبوع الماضي على أساس أنها بمناسبة اولمبياد ري ودي جانيرو الحالية، والواقع أنها كانت قبل أربع سنوات بمناسبة أولمبياد لندن، حيث فاجأت البريطانيين بأنهم من العشرة الأوائل في الخمول بالترتيب الثامن بنسبة 63.3 %.. وتناقلت الصحف هناك بسخرية أن البريطانيين جيدون في مشاهدة الرياضة وليس في ممارستها ما عدا نخبة قليلة أظهرت تفوق بريطانيا في الأولمبياد.. وقد أكلتهم الغيرة من الأمريكان (المسترخين آكلي البطاطس المقلية)، إذ نالت أمريكا المرتبة 46 بنسبة خمول 40 %، أي ستة من كل عشرة أمريكيين اعتبرتهم الدراسة نشطين..
أما أكثر الدول نشاطاً في العالم فهي الفقيرة وذلك نتيجة لطبيعة الأعمال التي يمتهنها غالبية الناس، تتقدمها بنجلاديش بنسبة خمول 4.7% أي تقريباً كل السكان نشطين، تلاها موزنبيق 7.1 % والكاميرون 8.3 %. إذا انتقلنا للدول العربية نجد أن الكويت أتت في المرتبة السابعة عالمياً في الكسل 65 % والإمارات في التاسعة 63 % والعراق في المرتبة 14 بنسبة 58 %.. ثم: لبنان 47 %، ليبيا 46 %، موريتانيا 44 %، الجزائر 41 %، تونس 36 %، ولم تشمل الدراسة بقية البلدان العربية.
ما أسباب الخمول؟ تعود أساساً لنمط الحياة العصرية، إضافة للمناخ والبيئة الاجتماعية والتقدم التكنولوجي، حسب الدراسة.. لكن الأسباب قد تكون متناقضة، فأهم سبب مشجع طرحته الدراسة هو المناخ، إذ نالت مالطا المقدمة في الكسل بسبب مناخها الرائع المعتدل الذي يساعد على الاسترخاء، وعلى النقيض السعودية حصلت على مرتبة متقدمة بسبب مناخها الشديد الحرارة..
لكن ليس المناخ وحده المؤثر، فبشكل عام، وجدت الدراسة أن الخمول يرتفع في البلدان ذات الدخل المرتفع، ويرتفع مع التقدم في السن، وهو أعلى في النساء منه في الرجال في البلدان التي بها قيود اجتماعية على المرأة، مثل ليبيا والسعودية (وفقاً للدراسة)، فالسعودية احتلت المرتبة الأولى بالنسبة لقلة النشاط النسائي حسب نتائج الدراسة. أما بين الرجال في الدول الغنية فقد ظهرت بريطانيا واليابان من بين أكثر البلدان كسلاً..
لماذا السعودية حصلت على المرتبة الثالثة في الخمول؟ الدكتور عائض القحطاني الأستاذ المشارك بكلية الطب، ذكر أن السمنة من أسباب ذلك، فحسب الإحصائيات فإن نحو 75 % من السعوديين مصابون بالسمنة أو لديهم زيادة في الوزن.. مرجعاً ذلك إلى بيئة المنزل والمدينة والعمل والمدرسة إضافة إلى العادات المتبعة وقلة توفر أماكن مخصصة لممارسة الرياضة.. وأكد أن المدارس أيضاً تعد بيئة مساعدة على السمنة لعدم وجود حصص رياضية في مدارس البنات.. (صحيفة الوطن).
كما يقول الكاتب الرياضي والأديب تركي ناصر السديري مؤلف كتاب «الرياضة في الإسلام» في حوار صحفي الأسبوع الماضي: ياليت أن وزارة التعليم، وجمعية محاربة الرياضة، تأمل وتدبر وتبصر دعوة عمر بن الخطاب.. وتجلي مقاصدها وغاياتها: علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل.. لو فعلت الوزارة ذلك، ووثقت بقيمة الرياضة وضرورتها لصحة ونفسية وبدن الفرد، وتعرفت على حقوق الإنسان الرياضية لما ترددت من إدخال الرياضة لمدارس وجامعة البنات، ولفعّلت المنهج والنشاط الرياضي في مدارس وجامعات الذكور (صحيفة عكاظ).
الأكيد أن الرياضة تربية بدنية وضرورة صحية جسمانية ونفسية ومهارة جسدية عند التعرض للحوادث الجسمانية، لكن ثمة ثقافة منتشرة لدينا بأن الرياضة للعب والترفيه فقط، لذا تُعامل في المدارس كحصة فراغ، فضلاً عن تقليص الحصص التي كانت مخصصة لها في السابق، وغياب المنافسة بين المدارس والجامعات على الألعاب الرياضية، وغياب الرياضة النسائية في المدارس.. وحتى في الأندية الرياضية تعامل الرياضة لدينا ككرة قدم فقط مما أثر في تدني المستوى الفني لكرة القدم نفسها عما كانت عليه لأن القاعدة المنشطة لها وهي الرياضة بشكل عام قد تدنى الاهتمام بها..