عبد الرحمن بن محمد السدحان
أزعم بقدر من اليقين أن لدى بعض مرتادي شبكة (الإنترنت) والمتعاملين معها مفهوماً غير سويّ لمصطلح (حرية الرأي) يمارسون في ضوئه (مراهقاتهم) الفكرية حين يرون خطأ أن (حرية الرأي) تمنح صاحبها (الحق) في ممارسة إثم (القذف) الصُّراح إقصاءً لشخص يختلف معه أحدهم في الرأي، وكأن كلمة (الحق) هذه (وهبت) له وحده لا سواه!
* * *
وبهذه المناسبة، يردُ إلى الذهن ما يعانيه هذا المجتمع من أذىً ظاهر، مصدره الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) التي تحولت بعض ساحاتها إلى (منابر) لهتك القامات البريئة افتراءً، وهناك (فرقة) من (خفافيش الظلام) تروّج عبرها الإشاعات ضد هذا المرء أو تلك الجهة، أو تلفق ادعاءات تمسّ كرامة هذه البلاد وأهلها، إمّا (افتئاتاً) على الحقيقة أو (نقلاً) من بعض مصادر الإعلام الآسن في أكثر من مكان من هذا العالم!
* * *
لقد أضحتْ هذه الشبكة جدولاً آسناً بعورات الكلام يتدفق في كل اتجاه، ويخترق كل مكان، بدءاً من المكاتب، مروراً بالمقاهي والبيوت، وانتهاءً بغرف النوم، وتقف على ضفّتيْه قوافلُ من (سماسرة) اللغو المباح وغير المباح، وأرجو ألاّ يظنّنّ أحدٌ أنني بهذا القول أقلّل من أهمية هذه الشبكة المعلوماتية وقيمتها الحضارية، أو أهمش حرية التعبير من خلالها، لكن، هناك فرق بين (عشوائية) الكلام المرسل بلا عقل، وحرية التعبير المسرجة بلجام العقل، وأعتقد أنّ ما لا يعقل من الكلام أولى أن يبقى في جوف صاحبه، فلكل شيء حد يبدأ منه، وينتهي إليه، وما عدا ذلك فلا يُرجى منه أو له خير!
* * *
لأولئك الأقوام أقول:
أولاً:
إنّ بلادنا لم تدّعِ الكمال قط في أداء مشهدها التنمويّ ولن تدّعيه أبداً، فهناك لا شك أخطاءٌ أفرزها السباق المحموم مع الزمن لبلوغ مستوى أفضل من النمو يفيد البلاد والعباد، وهي أخطاء أفرزها الاجتهاد توجب الإصلاح، وتستجيب للجهود المبذولة في سبيله، وهذا أمر لم ينكره أحد، ولا يتبرأ منه أحد، والقول بغير هذا افتراء على الحق والحقيقة، مذكراً في الوقت نفسه بأن الدول مثل الأفراد، تتوقُ إلى الأفضل تأهيلاً واداءً، وتجتهد في هذا السبيل، فتخطئ مرةً وتصيب أخرى! ونحن، دولةً وأفراداً ومؤسساتٍ لسنا استثناءً من ذلك، ولم ولن نزعم يوماً أن لنا نصيباً منه!
ثانياً:
أمّا الذين يلعبون بـ(جمرات) الكلام غير المباح ضد بلادنا أو رموزها الدينية أو السياسية أو التنموية أو الفكرية، سواءً عبر (الإنترنت) المحلية أو العالمية، أو من خلال منابر الإعلام المقروء منه والمسموع، فالله يعلم، وهم لا يعلمون، أن المسيّر لممارساتهم الظالمة ضد بلادنا ليس الإصلاح، بل الرغبة العمياء في (إسقاط) بعض أوجاعهم وأوزارهم فراراً من عذاب التشهير بالنفس، أو هزيمة الفشل، أو تجَنباً لمرارة الإفلاس الفكري والمعنوي، أو لابتزاز غنائم من متاع الدنيا عاجله أو آجله!
ثالثاً:
هناك في بعض صحف الغرب إفْكٌ قبيح ضد عقيدتنا، لا يأتيه إلاّ مُنكر لهذه العقيدة أو جاهل بها أو حاقد عليها، وقد شهدنا قبل حين ما صنعته صحيفة دنماركية موتورة في حق سيد الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فانتفضت الأمة الإسلامية غضباً من ذلك ورفضاً له، وكادت أن تستعر بسببها (فتنة) خبيثة لا يعلم مداها سوى الله، لولا أن تدخل ذوو العقل والحكمة، ساسةً وحكاماً، ليطفئوا نارها وتتراجع الصحيفة عن غيّها، ويعودُ سيفُ الحق إلى غمده!
* * *
أخيراً.. إذا كان التعامل مع (الإنترنت) أمراً لم يعد لنا منه مفر، فإنّ علينا أن نستثمر إيجابياته لصالحنا، أمّا الباطل فيه فغثاء لا يغني من الحق شيئاً!