فقد عاش العرب طوال حياتهم في حراك وعراك سواء في العصر الجاهلي أو في صدر الإسلام، فحياتهم في الجاهلية حياة حروب مستمرة لا تنقطع بين هذا وذاك بين هذه الطائفة أو الطائفة الأخرى وهكذا. فكانت هذه الحروب في ذلك الوقت وسيلة من وسائل العيش وفي صدر الإسلام اضطر المسلمون للحرب من أجل إيقاف أعدائهم أمام نشر الدعوة أولاً وللفتح ثانياً، وللأمة الحربية أخلاق تخالف الأمة المسالمة ولكل أدب يخالف الآداب الأخرى لأن الأدب ظل الحياة وسجلها فإن تاريخ العرب غني بالحروب - فقد وصفوا المرء العربي المقاتل بهذه الخصال - فقالوا جديد الفؤاد - ضامر الجسم - اخمص البطن - نومه خفيف - لا ينام كما ينام ثقيل الجسم الكسول - فاذا اهب من نومه هب مستوياً في غير كسل - واذا اندفع إلى ساحة القتال اندفع اندفاعاً كصقر على فريسته.
لا يعبأ بمكاره الحروب ولا ويلاتها وغمراتها.
فتجده في أحلك الأوقات وشد الأزمات منبسط اسارير الوجه يلمع جبينه كما يلمع البرق فقد قال الشاعر الحكيم:
وأتت به حوش الفؤاد مبطناً - سهداً اذا ما نام ليل الهوجل
فاذا انبذت له الحصاة رأيته - ينزو لو قعتها طمور الأخيل
وإذا يهب من المنام رأيته - كو ثوب كعب الساق ليس يزمل
ما أن يمس الأرض إلا منكب - منه وحرق الساق على المحمل
واذا رميت به الفجاج رأيته - يهوي مخارمها هوى الأجدل
وإذا نظرت الى اسرة وجهه - وقت كبرق العارض المنهال
صعب الكريهة لابرام جنابه - ماضي العزيمة كالحسام المفصل
يحمي الصحاب إذا تكون عظيمة وإذا هم نزلوا فمأوى العيل.
فقد وصفو الرجل العربي بأنه يضع حياته في كفه, يحرص على الشرف أكثر مما يحرص على الحياة لا يمل الحرب وإن طالت ولا يمل الأخطار وإن عظمت ثم لا تنسيه شجاعته عدله ونبله فهو لا يجزي حسناً بسيء ولا يقابل غلظا بلين ولا يكفون عن بطولاتهم لكثرة ما يتعرضون له من محن ولا يملون الحرب فشجاعتهم خالدة وبطولاتهم لا تنفد لا يركنون إلى الدعة ولا يتلمسون الراحة وإذا دعوا للقتال لبوا الدعوة من غير ريث وأسرعوا إلى النجدة من غير تلمس علة وجوه مشرقة ونفوس مستبشرة. ومع أن العرب أشادوا بذكر الحرب وتفننوا بوقائعها وفخروا ببطولاتهم - فالواجب على الأمة أن تربى تربية حربية ما دام في الدنيا ظلم واعتداء، حيث إنهم يرون أن الظلم لا يدفع إلا بالظلم والحرب لا تدفع إلا بالحرب. فقد أدرك العرب من مساوئ الحرب أن أضرارها لا تقتصر على المحارب فقط حتى أسرة المقاتل تكتوي بفقد رب الأسرة. فهذا الأمر ينطبق على الحروب في هذه الأيَّام وما تجره من ويلات وأضرار وكوارث ومفاسد. والبشر قديماً وحديثاً يرون أن أضرار الحروب ومفاسدها لا تقدر بثمن، حيث إن الأمة الحربية الراقية تفضل السلم وتدعوا إليه ولكنها مع هذا تعد للحرب ما استطاعت إليه من قوة أما إذا اعتمدت على العقل وحده والحكمة وحدها افترسها عدوها المسلح كما يفترس النمر الضاري الحمل الوديع.