أحمد المغلوث
داخل غرفة الصراف الآلي التابعة للبنك، شعر بيد تربت خلفه برفق، التفت إليه وتوقف لحظة قبل أن يفتح ذراعيه ليحتضنه فها هو أحد زملاء الدراسة القدامى والذي كان إلى جواره في المقعد الخشبي.. يا الله كم أنا مشتاق إليك يا أخي، وراحا في مصافحة وكلام وعتاب، بل لم يتردد أن قال من مزايا هذا البنك الذي يجب أن تضاف إليه هي أنه يجمع الزملاء والأصدقاء القدامى والعواجيز.. قاطعه بحدّة لا يا بومحمد إلا أنت مازلت ما شاء الله شاباً..؟ صلِّ على النبي يا أخي ترى ما نملك الا ما تشوف..؟؟ صاح صاحبه وهو يلوّح بعصاه الأبنوسية المطعمة بالصدف.. ألف مرة اللهم صلٍّ وسلم على رسول الله.. وأضاف وهو ممسك بيد زميله.. حلفت عليك أنك تقول تم يا أخي كم أنا مشتاق إليك وإلى (سوالفك) وحكاياتك.. فأجابه ولا يهمك بالإمكان أن نلتقي الليلة بعد صلاة العشاء في استراحتنا بجوار عين منصور.. لوّح بعصاه وهو يدلف إلى سيارته اتفقنا..! في المساء اجتمع الأصحاب كعادتهم وبعد فترة قصيرة قدم صاحبه تصحبه عصاه الأبنوسية.. كان معروفاً لدي المجموعة فجميعهم ينتمون لنفس المدينة، بل إن أكثرهم كانوا على مقاعد دراسية واحدة في إحدى المراحل.. كان حديث الليلة حديثاً مختلفاً اتسم بظاهرة القروبات الواتسابية، وما تحمله من معلومات وكتابات ومئات الرسائل التي كانت تصل إلى هواتفهم النقالة، حاملة عبارات الود والتهنئة في المناسبات وآخرها أيام العيد، والمدهش أن بعضهم وصلته نفس عبارة التهنئة التي سبق وأن كتبها من إبداعه، فإذا بها تشرق وتغرب وتعود إليه عبر الأثير من ابن أخيه الذي يدرس خارج المملكة ..؟ ضحكوا كثيراً وهم يشاهدون بعض التهاني (الواتسابية ) المكررة، وضحكوا وهم يتبادلون النظر حول صور ومقاطع وتضاحكوا أكثر وأكثر، وهم يشاهدون لقطات من بعض صور السنابات والفديو القصيرة وصور الانستغرام وغيرها من الصور الغريبة والعجيبة. وراح الوقت يمضي بهم ولم يشاهدوا مسلسلات ولا أخبار، فالذي بيده (الرموت) طول وقته يفر راكضاً خلف المحطات الكثر، والتي باتت تتوالد مثل توالد الموت والتفجير في العراق وسوريا، والإرهاب الذي زحف على دول العالم مشوهاً للإسلام وسماحته وإنسانيته.. وقبل منتصف الليل تحلقوا حول صحن «المندي» الذي أعده أبو سعد زميلهم وكبيرهم الذي علّمهم أهمية اجتماع الزملاء القدامى وجمعهم في هذه الاستراحة، بل كان وراء «قروبهم» الذي بات كل يوم يتضاعف من المشاركينفيه. فقال أحدهم والذي لديه علم «بالوعي الصحي» يا جماعة الخير إذا استمر حالنا كل ليلة بهذه الصورة اجتماع على مثل هذا «المندي»، أكيد سوف يترسب «الكوليسترول « على شراييننا ويجتمع ضاغطاً على قلوبنا التي لا تحتاج لزيادة ضغط. ألا تكفينا ضغوطات فواتير الكهرباء .. فقاطعه أبو يوسف: سبحان الله لقد سبقتني.. كنت ناوي أشكي لكم. كونكم إخواني وزملائي في الدراسة وإلا، في التقاعد تصدقون بالله فاتورتي تجاوزت الـ4000 ريال تقريباً نصف راتبي.. وتطلّع إليه الجميع من خلال عيونهم الضيقة وملامحهم المختلفة التي تمددت فيها التجاعيد، تتكلم عن تعب الأيام ولقمة العيش وذكريات رمضانية لا تخلو من طرافة, وكأنهم لا يتكلمون فلا شيء يتحرك فيهم غير أيديهم وأفواههم التي تمضغ الطعام. وقالوا: جميعنا في الهواء سواء؟؟!
تغريدة : ضع على وجهك ابتسامة دائمة فهي اللوحة الأجمل في هذه الحياة التي يحب أن يتطلع إليها الجميع..؟!