د. محمد عبدالله الخازم
هذه المحكمة.. بعد تسجيل الحضور والترجي لموظف الاستقبال بالإسراع في إدخالك، يكون الانتظار، يبدأ من حولك يتطفل بالسؤال عن قضيتك. بعد انتظار ساعة وأكثر، تتم المناداة، لتدخلي على القاضي المهيب، الجالس خلف مكتبه يطالع أوراقًا أمامه، كأنها قضيتك. الصحف في طرف المكتب تفهمك لماذا لم يناظر ملف القضية قبل هذه اللحظة.
لا تعرف من بالقاعة وربما حتى القاضي لا تعرف اسمه الكامل، فمن حولك وأنت تناديه فضيلة الشيخ. يبدأ القاضي: أنت المدعوة فلانة.. وتبدأ الأسئلة والأجوبة.. يدخل شخص ويخرج ويدخل آخر.. لا علاقة لهم بالقضية ولا تعرف هل الجلسة أصبحت علنية متاحة للآخرين الدخول والخروج أثناءها!
فجأه يسأل الشيخ؛ أنت لماذا لم تتزوجي؟ ترى حتى لو عندك شهادة عليا لازم المرأة يكون لها رجل يحميها ويصونها. تفغري فاهك من تحت النقاب، هل مطالبتي بنفقة أولادي تحولت إلى تعريف لي بفضائل الزواج؟ أم أن الشيخ يلمح إلى توفر العريس؟!
يتلعثم الغبن الصغير المرافق، فيقرعك الشيخ؛ أرأيت كيف تربيته بعيد عن أبيه... المرة القادمة يأتي حافظًا ثلاثة أجزاء من القرآن ويكون قرأ كتابًا لابن باز. ما علاقة الموضوع بطلب النفقة؟ لا تدري؟
الطرف الثاني في القضية لم يصل؛ أهذه مجرد دردشة تسبق التقاضي بوصول الخصم أم أنها جلسة بدأت رسميًا بغياب الخصم؟
مدير مكتب الشيخ أو سكرتيره، بدوره يتحدث في تفاصيل القضايا قبل وبعد دخول الخصوم، ربما لتبيان أهميته أو لعرض خدماته، ويبذل جهدًا في (التميلح) أحيانًا...
تلك مقاطع مختصرة - دارت بالمحكمة- توضح تواضع مفهوم الأخلاقيات المهنية للعمل في المحاكم، كعدم وضوح حقوق المراجع وعدم احترام خصوصيته والخلط بين الرأي الشخصي والتعامل القضائي المحايد، والتدخل في الأمور الشخصية للمتقاضي بطريقة غير لائقة، والحكم على الأشخاص من خلال لغتهم وطريقة كلامهم، وعدم انتظار طرف القضية الآخر أو إعلان غيابه للطرف الأول، وعدم إبلاغ المتقاضي بحقوقه في سرية الجلسة من عدمها وفي إحضار محامٍ من عدمه..إلخ.
في مجالنا الصحي لدينا حقوق المرضى تعلن ويطالب بتطبيقها، لكن في محاكمنا لا يوجد مثل ذلك. لست بالخبير الشرعي لأحكم على الجوانب العدلية والقانونية، لكن أتحدث عن قواعد أخلاقية يجب أن تحكم العمل في المحاكم ودوائر القضاء وتضمن حقوق المتخاصمين والمراجعين بصفة عامة الشخصية والاجتماعية والأسرية والفردية...
أطالب وزارة العدل ومجلس القضاء وهيئة المحامين والجهات ذات العلاقة بإصدار وثيقة حقوق المتخاصمين أو المراجعين للمحاكم وترويجها إعلاميًا وتعليقها في أرجاء المحاكم وإجبار الجميع على الالتزام بها. أحقيتهم في التعرف على نوع الجلسة وتسجيلها وعدم انتهاك خصوصيتهم الفردية والعائلية وحقهم في التعرف على القاضي ومساعديه، والحصول على الوقت الكافي لقراءة محاضر الجلسات قبل التوقيع عليها، وغير ذلك من الحقوق.