د.ثريا العريض
في الماضي كان الجمهور يهاجم الخطيب الذي يقول ما لا يعجبه بقذفه بالطماطم الفاسدة. وفي عصر التواصل الاجتماعي السريع يبدو التنقل في حسابات تويتر والفيسبوك والإنستجرام والسناب تشات وقراءة ما يضيفه الآخرون كالتنقل في سوق شعبي مفتوح ملئ بمعارض مفتوحة يستعرض فيها كل شيء. وما زال الغالبية يتورطون لأنهم لا يمتلكون مهارة التواصل وتبادل الحوار بحرفنة تجمع وضوح التعبير عن الرأي الخاص للفرد، مع الذوق واحترام الآخر الموجود معه في نفس الجوار المفتوح، ويتفاجؤون إِذ يجدون أنفسهم فجأة في موضع الإحراج والاعتذار ومحاولة إقناع الآخرين - الذين ربما لم يكونوا يعرفونهم قبل ارتكاب خطأ تغريدة بائسة - أن كاتبها لم يقصد ما فهموا منها. وسواء قصد أم لم يقصد تأتي النتائج كارثية.
تناقل المتابعون في تويتر قرار وزارة الإعلام والثقافة: «الكتاب الذين يسيئون للمرأة السعودية أو أي مواطن ستتخذ الوزارة كافة الإجراءات النظامية بحقهم».
جاء ذلك بعد يوم من مقال تناول قضية الرياضة النسائية وسخر من الأوضاع الصحية للمواطنات وثارت ضده حملة غاضبة في تويتر انتهت باعتذاره للجميع ثم لم يحمه ذلك من قرار الإيقاف عن الكتابة. وبعدها تواتر النقاش في مجموعات الواتساب حول قرار الوزارة. فأما الجمهور العام فقد ابتهج وأما الكتّاب عمومًا فقد انزعجوا بما في ذلك من لم يتفق مع الأسلوب الساخر الذي جاءت فيه إشارة الكاتب إلى المواطنات.
و أقول من الواجب احترام الجميع وإن كان لا بد من تناول موضوع ما بالنقاش علنًا فلا بد من الالتزام بأدبيات الحوار الحضاري حيث لا شخصنة ولا توجيه نقد لاذع أو سخرية إلى فرد أو فئة.
ناقشوا الأفكار ودعوا الخلق للخالق.
لم يعد ما يحدث في أي موقع في العالم شأنًا خاصًا..خاصة حين يتناول شخص ما - غريب أو قريب- سمعة الآخرين بالذم والتشهير. فمع تنامي المتابعين وتكاتفهم مع أو ضد أي رأي يطرح، يخرج الموضوع من سياق حرية التعبير عن الرأي الخاص، إلى خطيئة الإضرار بالآخرين أو إيلامهم.. وقد يصل الأمر إلى تعكير العلاقات بين الدول. وما زالت قضايا قائمة بسبب تطاول بعض من لا يدركون الفرق بين الرأي والأسلوب فينزلقون إلى تجاوز حدود الأدب.
في الأمثال العالمية يقول الصينيون: «إذا كنت لا تستطيع الابتسامة فلا تفتح دكانًا»، ويقول العرب: «قل خيرًا أو أصمت».. والواضح أن النوع الغالب بين من يدخلون ساحات التعبير إعلاميًا لا يدخلها ليصمت بل ليقول شيئًا.. ويجب أن يمتلكوا معايير لتقييم ما يقولون. المشكلة أن بعض الناس لا يفرقون بين المضحك الذي يظنونه سيضع ابتسامة على الوجوه والمضحك الذي سيجعلهم ينزعجون ويهاجمون المهرج.
الردع ضروري قبل أن تقع الفأس في الرأس.. فشكرًا وزارة الإعلام لتذكيرنا بثقافة مسؤولية الكلام.