عبد الاله بن سعود السعدون
شعر الساسة العراقيون الفاسدون بخطورة شعارات المتظاهرين في ساحة التحرير واختراقهم لحصون المنطقة الخضراء واستباحة قاعات مجلس النواب وتدافع أعضائه بالهرب من غضبة الشعب المتظاهر الذي نفد صبره من الوعود الكاذبة من الحكومات المتتالية المنبثقة من الأحزاب والكتل الطائفية وفقد ثقته في العملية السياسية برمتها واتخذ من التظاهر سبيلاً للتغيير والإصلاح ومن تداعيات هذا الضغط الشعبي الجاد التفت الكتل والأحزاب السياسية نحو أسلوب تغير جلبابهم المذهبي والمناداة بتكتل عابر للطائفية لتخطي المحاسبة الشعبية التي نادى بها المتظاهرون بتقديم الفاسدين إلى القضاء لنيل جزائهم العادل واسترداد المال العام والرشاوى والعمولات التي تلقوها من عروض المشروعات والصفقات الحكومية في الداخل والخارج التي بلغ مجموعها لأكثر من ستمائة مليار دولار..
أما رموز الفساد السياسي فتوجه لهم تهم عديدة في ضياع وحدة البلاد ونشر فتنة الطائفية وتسهيل دخول داعش للموصل ووجه تقرير لجنة الأمن والدفاع البرلمانية سهام الاتهام لعدد من العسكريين وقائدهم الأعلى آنذاك نوري المالكي بتوصياته لضرورة تقديم المتهمين إلى المحاكم العراقية بتهمة الخيانة والإهمال العسكري وتسهيل دخول عصابات داعش الإرهابية من الحدود العراقية السورية التي كانت مفتوحة دون حراسة... إلا أن سفرة المالكي المفاجئة إلى طهران آنذاك أخفت هذا التقرير المهم في أدراج أمانة مجلس الوزراء ودخل في سبات عميق ونسيه كل المشتركين في العملية السياسية!!.
وقد حاول مجموعة من النواب ركوب موجة الإصلاح والتغيير ومعظمهم من كتلة دولة القانون برئاسة المالكي وأعلنوا تشكيل جبهة الإصلاح العابرة للطائفية وأنضم لها أعداد من القائمة الوطنية برئاسة أياد علاوي وبعض النواب من الكتلة العربية برئاسة صالح المطلق وأيضًا من منظمة بدر والمجلس الأعلى وبعض المستقلين الوطنيين وانشق عنها كتلة الأحرار الصدريين بتوجيه من زعيمها مقتدى الصدر الذي يتزعم التظاهر الشعبي في ميدان التحرير..
حاول نوري المالكي الذي شعر بزخم الغضب الشعبي نحوه والمطالبة الجماهيرية بمحاسبته وإصدار الأحكام ضده للعديد من تهم الفساد السياسي والإداري التي مارسها في عهد وزارته الأول والثاني ومن أجل الإفلات من طوق الاتهام الشعبي استغل الخلاف الكردي بين قطبي السياسة في السليمانية وأربيل فتوجه ليعيد التحالف القديم بين حزب الدعوة وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني وكتلة التغيير (كوران) التي انشقت عنه برئاسة مصطفى شيروان وهاتان الكتلتان الشيعية والكردية ترتبطان بعلاقة وثيقة بالنظام الإيراني ووجه ملالي طهران المالكي والطالباني للتوحد في جبهة واحدة في الانتخابات القادمة التي ستجرى في بداية عام 2017م وستكون المجاميع العسكرية للحشد الشعبي الجيش الرديف لهذه القوى والآلية القوية للسيطرة على صناديق الانتخابات وتوجيه النتائج لصالح هذا التجمع الطائفي بثوبه الجديد.المستورد من طهران.
القوى الإسلامية الكردية الممثلة في كتل ثلاث هي الجماعة والاتحاد والحركة الإسلامية التوجه باتفاقها للتوحد بقائمة انتخابية واحدة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
الجماهير الغاضبة والمتظاهرة في ساحات بغداد والمحافظات العراقية الأخرى لأكثر من عام والممثلة للشريحة المظلومة الصامتة من الشعب العراقي الصابر والرافض للعملية السياسية والمطالب بجبهة إنقاذ وطنية لا تلبس ثوب المحاصصة الحزبية وترفض تصنيف المكونات الدينية والقومية وترفع شعار المواطنة المظلة الواسعة لتضم كل أجناس وأطياف الشعب العراقي وتسليم الحكم لمجموعة من أبناء الشعب العراقي التكنوقراط من الكفاءات الوطنية النزيهة اليد والماضي التي تسعى لتأسيس مؤسسات الدولة وترميمها بعد التخريب الذي تركه الغزو الإنجلو أمريكي إيراني للوطن العراقي وهذا لا يمكن أن تقوم به الكتل والأحزاب المذهبية التي تم تجربتها طيلة عقد ونصف من الحكم الفاشل الذي أوصل العراق للمرتبة الأولى بامتياز في الفساد الإداري والمالي..
السيناريو المقبول شعبيًا الذي لو تحقق لحاز على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة بتشكيل جبهة إنقاذ وطني تنضم بداخلها كل القوى العربية الشيعية والسنية متحدة مع الإتلاف الإسلامي الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني هذه الجبهة التي تمثل كل القوى السياسية العراقية المناهضة للتغلغل الإيراني في مراكز القرار العراقي من جهة ولا تؤمن بالمحاصصة الطائفية وستحظى بالتأييد الشعبي للأكثرية الصامتة والمقهورة من التسلط الإيراني وميليشياته المسلحة وعملائه من الأحزاب المذهبية.
يدور همس عالٍ في أروقة مجلس النواب العراقي وأيضًا في الدوائر المقربة من دوائر التمثيل الغربي الأمريكي في بغداد أن المؤسسة العسكرية العراقية سيكون لها كلمة ودور في التغيير والإصلاح وتوجيه العملية السياسية في عراق ما بعد داعش وتحرير الموصل وبداية هذا السيناريو ظهرت في قنبلة الفساد التي أثارها وزير الدفاع المستجوب خالد العبيدي في جلسة مجلس النواب يوم الاثنين الماضي حين تطايرت شظايا قنبلته نحو شخص رئيس المجلس سليم الجبوري وعدد من النواب بما فيهم النائبة المستجوبة له عالية نصيف بعرض وطلب الرشاوى من عقود تخص وزارة الدفاع ورفضه لكل التهديدات التي وجهت له أن هذا لمؤشر جديد لاتساع دائرة التصادم والصراع السياسي بدخول المؤسسة العسكرية بداخله التي أصبحت الآن ممثلة لقوة فعالة على الأرض وقد حققت انتصارات في محاربتها لداعش في تحرير الرمادي والفلوجة وتنظيف كل مساحة محافظة الأنبار وأيضًا يسعى وزير الدفاع العبيدي إلى التقرب لمطالب الشعب بفضح رؤوس الفساد وحرامية بغداد ويتقرب من التيار المؤيد لإيران بمدحه لدور النظام الإيراني في تزويد الجيش العراقي بكل ما طلبه من أسلحة ومعدات عسكرية (وبسخاء) كما يحظى بود المستشارين العسكريين الأمريكيين المشاركين في التحالف الدولي لمحاربة عصابة داعش الإرهابية.
الأيام التي تلي تحرير الموصل قد تأتي بمفاجآت غير متوقعة بقلب الطاولة على مراكز النفوذ الإيراني وظهور قوى وكتل عراقية وطنية تؤسس لدولة المواطنة وتخلص للعراق أولاً وأخيرًا وقد نرى عملاء طهران في تزاحم في شط العرب ومعهم جنرالهم سليماني هربًا من انتقام جماهير الشعب العراقي المقهورة طيلة ستة عشر عامًا عجاف بتسلط عملاء طهران على مقدرات الوطن العربي العراقي.