د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استكمالاً لما تم طرحه في الجزء الأول من المقال حول القبول في الجامعات وهجيره, ولأنه شأن تنموي كبير، فمن المؤمل أن لا يعبر جسوراً هشة خاصة في هذا الوقت الذي نتباهى فيه برؤيتنا الفريدة 2030؛ فلابد أن يحظى القبول بديمة جديدة؛ وأن ينطلق مشروع وطني لاستيعاب خريجي الثانوية يُدرس بعناية, ويأخذ حيزاً من فكر الوزارات المعنية بالتخطيط والاقتصاد المعرفي والتنمية, وهدفه تمكين خريجي الثانوية من تحقيق أهدافهم, والوطن من جذوة أبنائه, كما أن المشروع سوف يحمي واقع القبول من ثقافة اللحظة التي تنهض بالحلول وأنصافها حينما تضع الأزمات أوزارها، وربما برزت على السطح مبادرات تنبض مع أصحابها, ولما تتغير المواقع تغيب والفطرة السليمة «لا تحب الآفلين». وفي رأيي المتواضع أن المبادرات اللحظية دلالة على ضعف التخطيط لتقدم المؤسسات!, وأولى خطوات المشروع أن تحمل رغبة الطالب فوق الأعناق، فإن لم يكن في الجامعة التي تصدرت عنده؛ فتفتح أمامه بوابة الجامعات الأخرى في التخصص ذاته، بداية بالجامعات المحيطة ومن ثمّ ما يليها في بلادنا الغالية، فقد كان الطلاب سابقاً يشدون الرحال إلى المدن الرئيسة لدراسة تخصص بعينه حيت لم تكن الجامعات بالوفرة الحالية؛ وإن تعثرت تلك الخطوات وأحسبها سترفل بالنجاحات؛ فيحول الطالب إلى التخصص ذاته في جامعات المنح الداخلية من خلال أنظمة القبول في الوزارة مباشرة. والمهم أن يُحتوى الطلاب في رغباتهم، وأن تصاغ أنظمة قبول تحقق ذلك.
وأعتقد أن هناك من سيرى أن بعض المسارات في الجامعات سوف تغلق إذا ما تحققت رغبات الطلاب ولن يكون لها نصيب من الطلبة الذين أفرزهم القبول! «وذلك ما كنا نبغِ»، وهذا موضوع لا مشاحة فيه، فالطالب الراغب في التخصص سوف يصدّره القائمة ومن ثم يرصد رغبات لها اتصال بما تصدّر؛ وسوف يكون فارساً فيه؛ ومن لا يروم المكان لابد من إعادته إلى ميوله واستعداده وإلاّ صار صيداً خاسراً.
ومن البداهة أن تغلق بعض التخصصات التي أثبت الواقع أن لا مكان لها في سوق العمل؛ كما أنه من الفكر والإبداع افتتاح تخصصات تنموية جديدة؛ وأن يكون استقطاب الطلاب من منطلق المعادلة بين المهارات والاستعداد والميول.
ولما أنه من المنطق السليم أن تتواشج مؤسسات إعداد الطلاب لسوق العمل ويغذي بعضها بعضاً, وأن تبنى إستراتيجيات تقوم على الاندماج لتحقيق التوازن وصناعة القدرة لدى الطلاب على التعلم مدى الحياة، وأنه من المسلم به عدم القدرة على إتقان المهن دون معرفة عميقة بتفاصيل المكوّن لتلك المهنة ومرتكزاتها، وهذا الرأي دافعت عنه وتبنته بعض المؤسسات الرائدة في مجال استقطاب الموارد البشرية مثل أرامكو وسابك, وأستطيع أن أطلق عليه «تمهين المعرفة»، فإنني ومن هذا المنبر أرى أن ضم الكليات القنية تحت عباءة الجامعات وتطويرها لاستيعاب المعرفة التطبيقية للمسارات الأكاديمية المعرفية يعد تنظيماً تنموياً تحفيزياً واسعاً ومثيراً، يحقق تدفقاً وافراً من الطلاب والطالبات، لكونهم تحت مظلة معرفية لها من القيمة المجتمعية شأن عال, ومن المرجعية ما يوفر صقلاً معرفياً يسهم في تطوير المسارات التدريبية المهنية، ومن مواكبة الواقع التقني الذي تتطلبه التنمية الحالية والمستقبلية. ولأن الجامعات منصات قوية وحافزة, على أن يكون ذلك الاندماج وفق رؤية وآليات عليا، ويتطلب ذلك غربلة واقع الكليات التقنية قبل أن تُزف للجامعات, ففيها من البرامج التدريبية ما هو من مهام قطاعات العمل المختلفة حين يلتحق بها الخريج، وذلك ما يُسمى في الشأن الإداري «التأهيل»، وفيها من البرامج غير المنتمية للواقع التنموي. وفي اعتقادي أن العمل الذي تقوم عليه الكليات التقنية لا يعدو إلا أن يكون صناعة توجه ويمكن تحقيقه ضمن إصلاح واقع المناهج في التعليم العام.
وطرح آخر؛ وذلك عندما يحوز الطلاب على شهادات محلية ودولية لمشاركتهم في شأن وطني مثل المجالات التطوعية المختلفة وبرامج الكشافة والشهادات الدولية في مجال الإبداع، وهو أن يكون لتلك الشهادات نقاط مجزية في أنظمة القبول في الجامعات, وإلا كيف نشعل الضوء في إهاب الطلاب؛ لتقدير ذواتهم وتقديم البذل والجهد الأسمى لوطنهم.