- بقلوب مفعمة بالحزن والأسى فقدت الحركة الرياضية في المملكة واحدًا من أشهر نجوم الكرة في حقبة الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت.. ممن صالوا وجالوا في ملاعبها الترابية وحفروا أسماءهم في ذاكرة الرياضة السعودية وأخاديد الزمن.. برحيل النجم الدولي وكابتن الهلال الخلوق جدًا سلطان بن مناحي الذي وافته المنية في الولايات المتحدة الأمريكية إثر مرض عضال عانى منه -رحمه الله- طويلاً خسرت حركتنا الرياضية أحد أبنائها الأوفياء الذين نالوا شرف تقليد شارة الكبتنية مع أول جيل مثل منتخبًا للمملكة في تاريخ دورات الخليج العربية عام 1390هـ -1970م بدولة البحرين الشقيقة، كما كان النجم الراحل من الرعيل الأول الذين مثلوا الهلال في حقبة السبعينيات الهجرية وساهموا في صنع أبرز منجزاته الذهبية وألقابه التاريخية الخالدة.
-«الجزيرة» وكعادتها في تفاعلها مع الحدث الرياضي تسلط الضوء على أبرز محطات نجم الهلال الراحل وقائده الشهير سلطان بن مناحي -رحمه الله-.
البداية في أم سليم
كانت بداية وعلاقة النجم الراحل سلطان بن مناحي مع الكرة في المدارس والحواري وتحديدًا في حي أم سليم، تلك الحارة القديمة التي تقع في وسط العاصمة الرياض، التي كانت مرتعًا لصباه ومنطلقًا لنجوميته.. ومن فريق الحي الذي كان يضم أبرز نجوم الكرة في المنطقة الوسطى أمثال عمر حامد وفهد بن بريك وغيرهم من النجوم.. التحق بفريق الأولمبي (الهلال حاليًا) في حقبة السبعينيات الهجرية من القرن الفائت بتأثير مباشر من مؤسسة العصامي الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -غفر الله له- الذي كان قد أسس نادي الشباب عام 1367هـ وتزعمه عشرة أعوام قبل أن يغادر البيت الشبابي لتأسيس نادٍ جديد (الأولمبي) عام 1377هـ، الذي تحول فيما بعد إلى مسماه الحالي الهلال، وكان أبو مساعد من أبرز الداعمين للنجم الراحل.
سلطان اكتشف نجوميته!
مثل ابن مناحي فريق الهلال في درجة الناشئين موسمين متتاليين، ثم استدعاه مدرب الفريق الراحل حسن سلطان مطلع الثمانينيات الهجرية للعب في صفوف الفريق الأول وهو ابن 15 عامًا وسط كوكبة من النجوم العمالقة والأسماء الرنانة التي كانت تعج بها الخريطة الهلالية في تلك الأيام الخوالي.. أمثال صالح أمان ورجب خميس والكوش وابن موزان مبارك العبد الكريم وبقية نجوم هلال الثمانينيات وذلك نظرًا لإمكاناته الفنية العالية وتكوينه البدني الجيد ونجح وعلى الرغم من حداثة تجربته وقلة خبرته في تثبيت أقدامه بقوة في خط الوسط، وحجز خانته بكل مهارة وبراعة فكان من أبرز نجوم خط الوسط في رياضة الوسطى، خاصة بعد أن كان من الأرقام الصعبة التي قادت الهلال للفوز بكأس الملك لأول مرة في تاريخ الزعيم عام 1381هـ بعد فوز الفريق الأزرق على الوحدة بثلاثية نجمه الراحل رجب خميس (هاتريك) في ملعب الصائغ في الرياض، فزادت شهرته وذاع صيته بعد اللقب الكبير الذي أحرزه هلال الثمانينيات الهجرية بقيادة رئيسه وسر انتصاراته الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمه الله- الذي حقق المعجزة لفريق كسب كأس الملك وعمره التأسيسي لم يتجاوز الأعوام الأربعة!!
الألقاب الذهبية..!
وجاء نجاح النجم الراحل المبكر ليعزز حظوظه ويرفع أسهمه كلاعب واعد كسب ثقة مدربه وإدارته وجماهير ناديه لا سيما بعد فوز الهلال بلقب كأس الملك 1381هـ، ليواصل دروب النجومية والتألق مع نجوم الرعيل الأول عبدالله سوا وصالح أمان ومبروك الدبلي ومبارك العبد الكريم وسلطان الراجح والكبش وكريم المسفر وزين العابدين وكندا وسالم إسماعيل وبقية النجوم الذين حققوا لهلالهم اليافع أكبر الإنجازات التاريخية آنذاك.. عندما فاز الفريق الأزرق بلقبي الموسك كأس الملك أمام فريق الاتحاد في ملعب الصائغ بالرياض بركلات الجزاء 3-1 وكأس ولي العهد أمام فرسان مكة الوحدة في ملعب الصبان في جدة كأول فريق في المنطقة الوسطى يجمع لقبي الموسم بقيادة نجوم هلال الثمانينيات يتقدمهم قائده الشهير سلطان بن مناحي الذي لقبه مؤسس النادي (باالمايسترو) بعد تألقه في الملعب وأحرز مع ناديه ثلاث بطولات ذهبية.
رحلته مع المنتخبات
اختير قائد الهلال سلطان بن مناحي -رحمه الله- لتمثيل أخضر الثمانينيات الهجرية في سن مبكرة من عمره الكروي وكانت مشاركات المنتخب الوطني في تلك الحقبة مقتصرة على إقامة لقاءات حبية وودية، وكان أبرز نجوم المنتخب آنذاك ناصر الجوهر ومبارك الناصر ومحمد سعد العبدلي ونادر العيد وطارق التميمي وسعيد غراب وعبدالله يحيى والنور موسى وغيرهم من النجوم، واستمر في تمثيل الأخضر حتى مطلع الحقبة التسعينية الهجرية عندما قاد المنتخب السعودي في أول دورة خليجية شهدتها أرض المنامة 1390هـ، فنال شرف أول لاعب يتقلد شارة الكبتنية الخضراء رسميًا، كما مثل منتخب الوسطى في تلك وتقلد شارة قيادته.. ولا غرابة من ذلك فقد تميز الكابتن سلطان بن مناحي -رحمه الله- بسماته القيادة وبراعته في بث الحماس ورفع الروح المعنوية في نفوس اللاعبين داخل الملعب.. كقائد بارع كان يملك خصائص الإبداع والإمتاع، فضلاً عن سلوكه الرياضي الرفيع وانضباطه وقوة شخصيته داخل الملعب.
توديع الملاعب الترابية..!!
استمر الراحل في الملاعب حتى النصف الأول من عقد التسعينيات الهجرية حيث توقف عن الكرة وعلق حذاء النجومية قسرًا بعد مشوار طويل امتد لأكثر من 14 عامًا قضاها -رحمه الله- في ميدان التنافس كانت حافلة بالألقاب الخالدة والمنجزات الذهبية وذلك نظرًا لحصوله على بعثة دراسية في بريطانيا التي تزامنت مع وفاة شقيقه وترك أبنائه الأيتام ليتولى أبو فهد رعاية أبناء أخيه الراحل.. فودع الكرة ولكن بقى حب الهلال ساري المفعول إلى أن رشح لمجلس إدارة النادي في فترات مختلفة وأبرزها عندما تولى منصب مدير الكرة بالفريق الأول الذي حقق معه لقب بطولة كأس الملك عام 1409هـ بعد فوز الهلال على منافسه التقليدي النصر بثلاثية تاريخية كانت تتويج لمسيرة ابن مناحي الإدارية الناجحة.
إصابته بالجلطة
والفشل الكلوي..!!
عرف عن قائد الهلال السابق سلطان بن مناحي -رحمه الله- حبه للنادي الذي عاش داخل داهاليزه أجمل أيامه وأفضل أوقاته بعد أن انتهت علاقته الإدارية عقب فوز الهلال بكأس الملك 1409هـ، ظل يتواصل مع الأعضاء والرموز ومنهم الأمير هذلول بن عبدالعزيز والأمير عبدالله بن ناصر والشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمهم الله- وغيرهم من رجالات الهلال يدعم ناديه بالأفكار والآراء الرصينة.. وظل على تواصل إلى أن أصيب بجلطة دماغية قبل سبعة أعوام ولازم سرير المرض، ثم أصيب بفشل كلوي وظل ملازمًا لجهاز الغسيل الصناعي بكل صبر واحتساب متحملاً معاناته المرضية ومتجشمًا عناء وتعب الغسيل بكل جلد وثبات كرجل عرف عنه الالتزام الديني والأخلاقي ومع تكالب الظروف الصحية كان يبتسم مع زواره ومحبيه لقوة إيمانه وصلابة بأسه واحتسابه.. فغادر إلى أمريكا قبل أشهر قليلة للعلاج، غير أن الأجل وفاه بعد أن اشتد عليه المرض.. فرحل ابن مناحي بعد أن ترك اسمه يلوح في أفق الذاكرة الرياضية وبقت سيرته العطرة حاضرة في النفوس والوجدان.. رحم الله (أبو فهد).. الذي تحمل المتاعب والأسقام بكل صبر وثبات واحتساب وأسكنه فسيح جناته.
- منصور الدوس