د. محمد عبدالله العوين
ستظل مشكلة عدم توفر مقاعد في التعليم الجامعي مستمرة، وستزداد تضخما في السنوات القادمة ما لم توضع لها حلول طويلة المدى.
كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - يحث أبناء هذه البلاد قبل ما يقرب من ثمانين عاماً على إلحاق أبنائهم بالمدارس النظامية في مكة وجدة؛ كمدارس الفلاح، أو المعهد العلمي السعودي بمكة، ولكن الآباء والأمهات كانوا يتمسكون بأبنائهم لخدمتهم في الزراعة أو الرعي أو الأعمال الحرفية البسيطة؛ فيضطر إلى اختيار واحد من الأبناء من بعض الأسر للتعليم ؛ إدراكا من الملك المؤسس لحاجة البلاد إلى المتعلمين الذين سيسيرون أعمال الدولة ويسهمون في النهضة، وفي عهد الملك سعود - رحمه الله - كان كل طالب في المرحلة الابتدائية يمنح عشرة ريالات وأربعة قروش مكافأة شهرية تشجيعا لأولياء أمور الطلاب على إلحاق أبنائهم بالمدارس، وقد حظيت بتلك المكافأة حين التحقت بالمدرسة الابتدائية عام 1382هـ فكنت أعطي والدي - رحمه الله - العشرة ريالات وأفرح بالأربعة قروش!
وكانت الدفعة الأولى التي التحقت بجامعة الملك سعود إبان افتتاحها في ربيع الثاني 1377هـ لا تتجاوز خمسة طلاب!
واليوم يتزاحم على التقدم للدراسة الجامعية في مختلف التخصصات عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات، ولا تستوعب جامعاتنا الحكومية الخمس والثلاثون مع عشر جامعات أهلية وكليات مختلفة في القطاعين الحكومي والأهلي آلاف الطلاب المتقدمين للدراسة.
وينتشر ما يقرب من مائتي ألف طالب وطالبة في عدد من جامعات العالم ؛ بحيث تشكل المملكة المرتبة الثانية في ابتعاث طلابها على مستوى الدول.
ماذا يعني كل هذا ؟!
وإلى ماذا يشير ؟!
يعني أننا - ولله الحمد - تجاوزنا المراحل الأولى الصعبة التي كان بعض الآباء أو الأسر تتردد - قبل أكثر من ثمانية عقود - في إلحاق أبنائها بالتعليم ؛ رغبة منهم في أن يحظوا بخدمة أبنائهم في مزارعهم أو مصالحهم البسيطة الخاصة، وتجاوزنا تردد بعض الأسر قبل ما يقرب من ستين عاماً في إلحاق بناتهم بالتعليم، إلى أن حسم التردد بصدور الأمر الملكي بافتتاح مدارس للبنات عام 1379هـ ونفذ في السنة التالية.
وبناتنا - ولله الحمد - يتلقين الآن تعليمهن في الجامعات السعودية وفي عدد من الجامعات العالمية، ويحققن تفوقا وريادة مشهودة في البحث العلمي والابتكار.
ويشير إلى أن الجامعات السعودية الحكومية والأهلية لن تكون قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات في الأعوام القريبة القادمة ؛ على الرغم من أن برنامج الابتعاث يخفف من وطأة هذه الأزمة.
إن التعنت في القبول بالتشدد في الشروط ورفع درجة القياس أو التحصيلي العام ليس حلاً!
وإن إرجاء قبول نسبة كبيرة من المتقدمين إلى الفصل الثاني ليس حلا أيضاً؛ فهو تأخير مؤقت للأزمة وليس حلا لها!
وإن التحويل إلى المدن الصغيرة وتوزيع الطلاب على نحو قد لا يتفق مع رغباتهم أو ظروفهم العائلية ؛ للتخفيف من الضغط على جامعات المدن الكبيرة ليس حلا!
وإن إنشاء مزيد من الجامعات التجارية الخاصة ليس حلا أيضا ؛ فقليلون هم أولئك القادرون على تحمل نفقات تلك الجامعات الباهظة!
ولا بد أن نعي «مخاطر» أن يظل عدد ليس قليلا من أبنائنا ينتظرون تائهين قلقين بلا دراسة أو عمل!
الحل: في وضع استراتيجية وخطة واضحة لما نحتاج إليه من تخصصات تخدم الوطن وتجد لها فرصاً ضرورية وسهلة في سوق العمل، ثم افتتاح مزيد من الجامعات والكليات الحكومية التي تحقق أهداف وغايات التنمية.
ومن الخير أن يكون بعض التوجه في الجامعات الجديدة إلى التخصص التقني والالكتروني والتكنولوجي.
افتتاح مصانع كبيرة في الالكترونيات والسيارات والطيارات والسلاح سيمتص عشرات الآلاف من الدارسين والخريجين وينهي أزمة البطالة.
ولم يخلق الأزمة ويراكمها إلا توقفنا سنين طويلة عن افتتاح جامعات جديدة، فقد تغنينا سنين طويلة بسبع جامعات، ولا نريد أن نتغنى سنوات طويلة أخرى بثلاثين جامعة؛ فالنمو السكاني كبير، واحتياجات التنمية وتحدياتها كبيرة أيضاً.
إن افتتاح مزيد من الجامعات الحكومية الجديدة واستمرار برنامج الابتعاث بنفس القوة والزخم والتحول إلى مجتمع «صناعي» بدلاً من «الاستهلاكي» طريق التنمية الحقيقية.
نحن الآن في مرحلة تحد وصراع على البقاء ؛ إما أن نكون أقوياء أو أن نظل عالة على غيرنا.