من أوراق شاهد على مرحلة الحداثة الأدبية في المملكة
يحاربون حرية (الرأي) ويمارسون حرية (الشتم)!
ليلة تكريم الثبيتي
كنت أنوي أن أتحدث اليوم وفي سلسلة مقالات لاحقة عن الكتاب الشهير (الحداثة في ميزان الإسلام ) لمؤلفه السادة عوض القرني (كما سماه الشاعر الكبير محمد العلي في رده على الكتاب) لكن ذكر حادثة اعتداء شباب الصحوة في آخر المقالة السابقة على النادي الأدبي بجدة ومحاولتهم تخريب أمسية الشاعرات الثلاث وما تلا ذلك من أحداث دفعني اليوم لرواية حادثة أخرى مشابهة وهي الحادثة الشهيرة التي كان من المفترض أن يتم فيها تكريم الشاعر محمد الثبيتي بعد فوز ديوانه (التضاريس) بجائزة أفضل ديوان شعري بالمملكة (كانت قيمة الجائزة عشرة آلاف ريال) (!!) .
(لعل من المناسب هنا الاطلاع على ما كتبه الشاعر اللبناني المعروف شوقي بزيع في موقع الشاعر محمد الثبيتي الإلكتروني عن هذا الديوان كواحدة من الشهادات التي قيلت في حقه من نقاد وشعراء معاصرين.
كنت قد التقيت الشاعر الصديق المرحوم محمد الثبيتي في منزل أحد الأصدقاء في جدة ليلة التكريم وتوجهنا معا في سيارتي (كرسيدا بيضاء موديل 1985) إلى النادي الأدبي في مبناه الأبيض الجديد والجميل المطل على شاطئ كورنيش جدة وهو يحمل في يده- الثبيتي- بكت سجائر (قولد كوست الأبيض محدود القيمة ربما لأن قيمته تتناسب مع إمكاناته المادية رحمه الله) وأذكر أن أول من قابلناه ونحن نصعد درج النادي سكرتير النادي القاص المعروف محمد علي قدس (لم يقل وقتها أي كلمة تهنئة أو مباركة للشاعر محمد الثبيتي واكتفى برد السلام بملامح وجه جامدة).
أذكر أني وقتها كنت معلما للغة العربية في إحدى مدارس جدة الثانوية وكان وكيل المدرسة وهو واحد من المتشددين يحمل في يده ديوان التضاريس قبل ليلة التكريم تلك ويقرأ على بعض الإداريين والمعلمين نصوصا من الديوان ويُظهر على وجهه تعابيره توحي ببشاعة ما يقرأ .
كان من الواضح أن ذلك المتشدد لم يكن يدرك شيئا مما يقرأ من نصوص الثبيتي وكان يقرأها بجهل شديد وأخطاء في القراءة ويردد ما يسمعه من خطباء الجمعة في المساجد عن هذه النصوص باعتبارها شيئا خطيرا وكفرا مخرجا من الملة وهو ما كان جزءاً من حملة تحريض من المنتمين إلى تيار(الصحوة)
على الديوان وصاحبه وعلى الحداثة والحداثيين بشكل عام . وأذكر أن ذلك المتشدد ذاته كان قد طلب الاجتماع بي قبلها على انفراد وحذرني بجملة ملاحظات رصدها عليَّ كان من بينها أني أدرَّس الطلاب في مادة الإنشاء نصوصا للشاعر محمود درويش وقصصاً لنجيب محفوظ وأني أدعو الطلاب لحضور أمسيات نادي جدة الأدبي (!!)
وكان ردي عليه وقتها أن النادي هو أحد مؤسسات الدولة ولا يوجد رسميا ما يمنع دعوة الطلاب للذهاب إليه .
حين دخلنا النادي اتجه محمد الثبيتي إلى غرفة رئيس النادي عبدالفتاح أبي مدين
( الذي كان قد أُعيد لرئاسة النادي من جديد ) وذهبت أنا إلى مسرح النادي الذي سيقام فيه التكريم . كان المسرح مكتظا بعدد كبير جدا من شباب الصحوة ذوي اللحى الطويلة والثياب القصيرة والمساويك التي تلوكها الأفواه وتعض عليها الأسنان . كانوا في حالة انتظار وتحفز للدخول في معركة جديدة نصرة لله ولدينه ضد هؤلاء الحداثيين ( الكفرة) كما صور لهؤلاء الشباب معلموهم ومرسلوهم!!
وقتها قام مسؤولو النادي (كما ذكر الناقد سعيد السريحي عضو مجلس إدارة النادي ) بتهريب محمد الثبيتي عبر قبو المبنى إلى خارجه خوفا وتحسبا من أن يتعرض للاعتداء من هؤلاء المتشددين . وقام النادي بجعل الناقد الأدبي المصري المعروف مصطفى ناصف الذي كان موجودا في النادي وقتها بإلقاء محاضرة عن الصورة الفنية في الشعر!!
جُنَ جُنون هؤلاء المجتمعين وقتها وبدلا من الاحتفاء بالانتصار وإفشال التكريم أخذ بعضهم يصرخ بصوت يملأ القاعة : أين التكريم يا أبا مدين ؟! أين التكريم؟! استمر المحاضر يلقي محاضرته حتى انتهت وانصرف هؤلاء المجتمعون دون أن يضطروا لخوض المعركة التي جاءوا من أجلها!!
- محمد الدخيل