عماد المديفر
منذ ثلاث سنوات، تعرفتُ وأسرتي على شابة صينية مسلمة وزوجها، من إقليم «قانسو» شمال غرب الصين.. وهي من عرقية الـ «هوي» المسلمة الذين يشكلون 5 في المائة من سكان الإقليم، وهم قريبون جدًا عرقيًا وثقافيًا من الـ «هان» والذين يشكلون قرابة الـ92 في المائة من سكان الصين، كانت وزوجها مبتعثين بتشجيع من الحكومة الصينية لدراسة اللغة الإنجليزية، ولكونهم مسلمين فقد جرى اختيار ماليزيا لدراسة اللغة.. زوجها موظف حكومي، ووالدها رجل أعمال بسيط وصاحب مطعم إسلامي للأكل «الحلال» في مدينتهم..
سألتها عمّا إن كان هناك بالفعل - وكما يُشاع- أي مظاهر للتمييز بين العرقيات أوالأديان داخل الصين.. وخصوصًا أن من عاش ورأى لا كمن سمع.. فنفت ذلك.. وفهمت أن عديدًا من المسلمين الصينيين يعملون في وظائف حكومية ويتدرجون بها إلى أعلى المناصب كبقية الصينيين الآخرين.. وكذلك الحال بالنسبة للمدارس والجامعات والابتعاث وغيره.. بل إن الحكومة الصينية ذاتها حريصة كل الحرص على عدم وجود أي نوع من التمييز بل والتمايز الكبير بين المواطنين.. لذلك تحرص على عدم إظهار أي من مظاهر الاختلاف أو التضاد الذي قد يؤثر على وحدة البلاد.. ولذا هي تمنع أي مظاهر تمايز دينية.. سواء أكانت بوذية أو مسيحية أو إسلامية أو غيرها.. وليس المستهدف من هذه الأنظمة والقوانين ديانة بعينها، أو عرقية بذاتها.. بل هو الحرص الشديد على نظام البلاد ووحدتها.
كنت قد تحدَّثت معهم سابقًا عن خطورة التنظيمات الراديكالية، وجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أم التنظيمات الإرهابية الإسلاموية في العصر الحديث، الذي يُكفّر البشرية جمعاء خلا أتباعه.. ويسعى لنشر الفتنة داخل الدول التي يستهدفها، ويدفع باتجاه المواجهات وصولاً إلى الحروب الأهلية بين الشعوب المحلية وبعضها، وبينها وحكوماتها، ويسمى ذلك بـ «الجهاد» و»الحرب على الطغاة» تحت شعار «إقامة دولة الخلافة الإسلامية».. يقول زوجها: «دخل الإخوان المسلمون بفكرهم الإرهابي إلى الصين قبل ثلاثين عامًا وخصوصًا عبر بعض المدارس الدينية في إقليم «شينجيانغ»..ولكونهم من عرقية «الإيغور» فإن أغلبية هؤلاء المعلمين تأثروا كثيرًا بالمدارس الدينية التركية.. وبعضهم تلقى تعليمه الديني هناك.. لذلك تجد لدى بعض منهم نزعة انفصالية، وهم على علاقة قوية مع حركة «طالبان» الديوباندية الماتريدية الصوفية المتطرفة، بل وأسس هؤلاء الانفصاليون تنظيمًا إرهابيًا متحالفًا مع القاعدة يدعى «الحزب الإسلامي التركستاني» ويُطلق على الإقليم اسم «تركستان الشرقية»! وله علم خاص يشبه العلم التركي لكن بلون أزرق.. هذا الحزب أسسه «استاذ» يدعى «حسن مخدوم» كان قد تأثر بعبدالله عزام، و»مخدوم» هذا قتله الجيش الباكستاني في مواجهاته ضد التنظيمات الإرهابية على تخوم أفغانستان».
الصين دولة عظيمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، عظيمة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وصناعيًا.. فهي الأولى عالميًا بعدد السكان، وثاني أكبر قوة اقتصادية عالمية، بل تعد اليوم صاحبة الدور المحرك الأساس في الاقتصاد العالمي وفي مقدم الدول الصناعية، وجيشها من أقوى جيوش العالم وأكثرها عددًا وعدة.. ولا تخفي الولايات المتحدة خشيتها من أن تنتزع منها الصين، الصدارة، وخصوصًا فيما يتعلق بالشق الاقتصادي الذي يرى مراقبون أمريكيون أن الصين بالفعل قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك.
وللمملكة تقديرها ومكانتها الخاصة لدى القيادة الصينية، إِذ دائمًا ما يصرح المسؤولون الصينيون باحترامهم الكبير للمكانة الرفيعة التي نحظى بها سياسيًا ودينيًا واقتصاديًا ودورنا الفاعل في مكافحة الإرهاب فكريًا وثقافيًا ومعلوماتيًا إضافة للجهود الأمنية والعسكرية.. وسعينا الدؤوب على ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال وتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم.. وتعول الصين كثيرًا على دور كبير للمملكة في مشروعها المستقبلي «طريق الحرير الجديد» خاصة في ضوء رؤية المملكة 2030، إِذ وجدت نفسها وهي تشاطرنا ذات الهواجس والتطلعات، ناظرة للمستقبل باستشراف أكبر، ويرى صينيون بأن بلدهم أضحت تستشعر اليوم أكثر من أي وقت آخر، ذلك التنافس المحموم من قوى دولية كبرى، تشاكسها في مناطق نفوذها، بل «وتسعى لتتسلل أصابعها في الداخل الصيني سعيًا لخلق جو من الفوضى والاضطرابات.. وبهدف إعاقة الصين عن توسيع دائرة الحلفاء وخصوصًا مع دول العالم الإسلامي»..! إلى اللقاء.