سلمان بن محمد العُمري
عنيت مراكز البحوث الفكرية الغربية مؤخراً وخاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بموضوع السلفية ولم يقتصر الاهتمام على المراكز الأمريكية فحسب بل شمل ذلك مراكز أوروبية بل وحتى آسيوية. ومن المؤكد أن معظم الدراسات التي خرجت بها هذه المراكز البحثية لم تكن منصفة وعادلة في توصيفها ودراستها سواء ما قام به باحثون غربيون أو مستشرقون أو حتى من المسلمين الذي يحملون جينات الدول الغربية، أو من المسلمين الذي تستكتبهم هذه المراكز، ولم تقف حدود الدراسات - أيضاً - عند مراكز البحوث الفكرية والاجتماعية بل تعدّاها إلى دراسات أخرى، وبحوث قدمت في مراكز دراسات استراتيجية وأمنية واستخباراتية. وممّن قام بهذه الدراسات إلى جانب الأكاديميين المتخصصين سفراء عملوا في بعض الدول العربية والإسلامية وخبراء في الأمن القومي لبعض الدول مع قادة عسكريين وبعض العناصر التي لها ارتباط بالقرار السياسي في بلدانهم مما أضفى على بعض هذه الدراسات صفة الرسمية أو شبه الرسمية.
ومن المعلوم أن مراكز البحوث لمؤسسة راند وكارتيجي وبردكنجر الأمريكية وغيرها منظمات ربحية تتقاضى أجراً على أفكارها وتستند عليها الحكومة الأمريكية في إجراء البحوث والدراسات.
ومن المؤكد أنّ النتائج لن تكون منصفة مهما إدعوا العدالة والحيادة لأنهم يريدون نتائج معلبة ومسبقة التصنيع ويكيّفون عليها بعض الوقائع والأحداث كشواهد ويستدلون - أيضاً - وللأسف بمقولات وكتابات لأبناء المسلمين ممّن يسمّون بالمثقفين وأهل الرأي إن لم يتم توظيفهم ضمن فريق الدراسة، ويسهمون في نشر مقالاتهم وكتبهم على نطاق واسع وتضمن في التقارير الخاصة بالبحوث والدراسات، وفي المقابل فإنه لا يوجد تحرير علمي لمفهوم السلفية كتب بلغات أجنبية.
وحينما تخلّى «السلفيون» عن ذلك تولى غيرهم بالتعريف بهم وفقاً لرؤيتهم. وكانت للأسف تعريفاً مشوهاً. وإذا كان الباحثون الغربيون قد بنوا أحكاماً مسبقة فإن أصحاب الفرق والملل والنحل الباطلة ممّن ينتسبون للإسلام قد أيّدوا ذلك، ووافقوا مراكز البحوث الغربية في أهوائهم ورغباتهم وحصروا مفهوم السلفية بالسلفية الجهادية وأنها عدائية ولا تعرف إلا لغة الدم وأن تاريخها كان ولا يزال دموياً مع المسلمين ومع غير المسلمين وخلصت معظم الدراسات إلى تشجيع الحكومات الغربية على تشجيع «الإسلام المعتدل» و»الإسلام المسالم» وحصروها في فئات ما يعرف بـ «إسلام الدراويش» بل وعملت على التخويف من السلفية والسلفيين وتأثيرهم بل وربطت باسم السلفيين مع بعض المنظمات الإرهابية غير السوية، وقد استجابت بعض الدول الإسلامية وانساقت خلف بعض الدراسات ونفّذت التوصيات بمحاربة كل ما هو سلفي وأنها رمز التشدّد والتزمّت والأصولية والعنف والراديكالية وأحياناً التكفير وأنها مفرخة للقاعدة وداعش.
وأن السلفية كما رسموها تقوم على الرفض والمجابهة والعداء لكل ما هو غير إسلامي، وإذا كانت رؤية الغرب للدين الإسلامي معلومة وممتدة لما أخبرنا الله - عز وجل - وعنهم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (120) سورة البقرة. فإن الدّهشة ستزول، ولكن العجيب في فئتين من أبناء أمتنا أسهما في تشويه صورة الإسلام الحقيقي فئة باللسان وفئة بالبنان فمن يهاجمون السلفية في عقر دارها ويتطاولون على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله - ويلمزون منهج علماء الأمة المعتبرين لا يقلّون شأناً عن الفريق الآخر الذي يقوم بأعمال إرهابية وتسمّى باسماء سلفيّة باسم الإسلام وباسم الجهاد. وقد كان هذان الفريقان حاضرين كشاهدين في البحوث والدراسات الغربية بالقول والفعل ففريق يستدلون بأقوالهم ومقالاتهم وفريق يستدلون بأفعالهم وجرائمهم. والمشكلة أن من صدق هذه النتائج المسلمون أنفسهم ونفذوا توصياتها.
إن الغرب يعرف أن المسلمين لن يتخلوا عن دينهم كما يريدون وأصبحت جهودهم ترتكز في حصر المسلمين في «إسلام معلّب» ويرسمون خريطة طريق لبعض المجتمعات لتسير عليه، والتحذير من السلفية وعلمائها بل والتحذير ممّا يسمى بـ «الوهابية».
وأتمنى أن تبادر الجامعات الإسلامية وكراسي الدراسات ومراكز البحوث بتحرير مصطلح السلفية وتباينه للمسلمين قبل غيرهم، والتأكيد على أن التوحيد هو الركن الركين للسلفية وأنها اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولصحابته - رضوان الله عليهم - وللسلف الصالح، وأنها مدرسة فكرية ومنهجاً وليست حزباً أو جماعة.