في عام 2013م وعلى هامش مؤتمر عن تخطيط المدن في كوريا الجنوبية، حضرنا مع المجموعة مباراة في الدوري المحلي الكوري باستاد كأس العالم في العاصمة سيؤول، وصلنا إلى الاستاد من خلال محطة قطار متاخمة للملعب قبل موعد المباراة بثلاث ساعات، أخذنا المرشد السياحي برفقة أحد مهندسي الاستاد بجولة عامة على مرافقه الداخلية والخارجية، تحفة معمارية مدهشة صمم على شكل الطائرة الورقية التقليدية معبرًا عن الانطلاق بنمط معماري فريد يعكس روح الحضارة الكورية، يستوعب الاستاد أكثر من 66 ألف متفرج ويحيط به عدد من الفنادق والحدائق وأماكن للاسترخاء وممارسة المشي والتنزه والرياضات المختلفة. بعد كأس العالم 2002م تم توظيف الاستاد للترويج لثقافة كرة القدم، وتحول إلى وجهة سياحية ونقطة جذب رئيسة على المستوى الوطني، وبات حاضنًا رئيسًا للفعاليات والأحداث الكبرى، ومتنفسًا لسكان المدينة وزوارها على مدار الأسبوع.
في الطوابق الأرضية من الاستاد تناولنا طعام الغداء في ركن الطعام الذي يحتوي على سلسلة من المطاعم العالمية، بعدها شاهدنا فيلمًا عن تاريخ كوريا الجنوبية في إحدى صالات عروض السينما التي يحتضنها الاستاد، ثم قمنا بجولة حرة في السوق التجاري المتنوع، وكان هناك فرصة لممارسة بعض الألعاب في الصالة الإلكترونية، ثم استكملنا جولتنا بالتعرف على المرافق الأخرى مثل قاعة الاحتفالات والمركز الصحي وروضة الأطفال وصالونات التجميل والمتحف والمتجر الرياضي، إضافة إلى الخدمات الأساسية لشبكة النقل والأمن والإرشاد والمعلومات وغيرها. قبل موعد المباراة بعشر دقائق توجهنا إلى الملعب الرئيس من خلال البوابات الإلكترونية وكان خاليًا تمامًا، نظرًا لأن الجميع كان يستمتع بوقته خارج الملعب ولديهم حجز مؤكد لمقاعدهم. قبل صافرة البداية بدأت الجماهير تتوافد على المقاعد وكان أغلبها من العائلات والأطفال ومجموعات المدارس في إشارة إلى أنهم كانوا يقضون يومًا ترفيهيًا متكاملاً منذ الصباح داخل مرافق الاستاد يتوج في النهاية بحضور حدث رياضي شعبي مثل مباراة في كرة القدم.
بذكريات المباراة الافتتاحية التي انتهت بفوز السنغال على حاملة اللقب فرنسا 1-0 بكأس العالم 2002م على هذا الملعب، ومع بداية المباراة التي كان نادي سيؤول العريق طرفًا فيها، لم يكن تركيزنا على سير المباراة بقدر ما كان على تفاصيل المكان ووظائفه وثقافة الحضور وحياة الناس فيه، حالة النظام والتنظيم المهيمن على سلوك هؤلاء الناس يؤكد أن العمارة قادرة على بناء إنسان سوي ومهذب وملتزم، بين الشوطين كان هناك ألعاب حركية للأطفال من ذوي الإعاقة وتمكينهم من تسجيل الأهداف المعنوية قبل الرياضية وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي سمح له بعد نهاية المباراة بالدخول لأرضية الملعب ولقاء اللاعبين والتصوير معهم بكل سلاسة وسط مشهد منظم جدًا يتسم بالاحترام المتبادل، خرجنا مع الجماهير إلى الساحة الخارجية التي كانت تعج بعدد من العروض الفنية والرياضية والثقافية والمسابقات، غادرنا بعدها إلى محطة المترو في طريق عودتنا إلى الفندق بعد تجربة يوم ترفيهي في غاية المتعة والنشاط والإشباع الذاتي.
محليًا، أعتقد أن لدينا فرصة كبيرة لتجاوز الإجراءات الإدارية المعقدة ومراجعة أنظمة الاستثمار لمحاولة بناء صورة ذهنية عمرانية متطورة عن مدينة الرياض إذا ما تمكنا من إعادة توظيف منشآت استاد الملك فهد الدولي بشكل أمثل وهو التحفة المعمارية المميزة ومقصد الأحداث الرياضية الكبرى من داخل وخارج المملكة، وتحويله إلى وجهة سياحية رئيسة ونقطة جذب لسكان العاصمة الرياض، وذلك من خلال تحسين المناطق الحضرية المحيطة به وتطويرها وتحويل استخداماتها إلى حدائق ومتنزهات ومراكز رياضية وممرات للمشي، واستثمار مرافق الاستاد الداخلية كأسواق تجارية ومطاعم ودور سينما رياضية ومتحف رياضي، ومكتبة، وصالة للألعاب، لتمكين العائلة السعودية من قضاء يوم ترفيهي متكامل داخل هذه المنشأة الرياضية العملاقة وربطها وظيفيًا مع الحي السكني، فالمباني من دون «منفعة» تبقى كتل خرسانية صماء «بلا حياة» ولا تؤثر في مجتمع المدينة.
م. بدر بن ناصر الحمدان - متخصص في التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن